أبدًا لم تكن أنتِ  

Posted by: محمد إبراهيم محروس

أبداً لم تكن أنت ِ..

ألم تكن اللحظات كافية بيننا كي أفهم لماذا اليوم بالذات تعانى من هذه الحالة، ولماذا ترفض الحضور.. علاقتي بها منذ سنوات مستمرة وطبيعية بدرجة كافية، بل ناضجة أكثر من اللازم.. كثيرا ما قلت لها: يجب أن تجنح علاقتنا قليلا إلى الطفولة، فأنت تملكين حثا رائعا، وتملكين طاقة إبداعية خارج الحدود.. تطلعت وقتها للوحة التي رسمتها لها منذ زمن وأجهشت بالبكاء، لسبب لا أعلمه كنت شديد الرفق بها.. حاولت أن أوضح لها أن ذلك الحادث لم يؤثر في علاقتي بها، بل هي تزداد جمالا في عيني يوما عن يوم، ولكنها رفضتْ كلماتي الوجلة، ورفضتْ عباراتي قالت: إنها غير جديرة بالرثاء الآن، بل هي ظل لإنسانة محطمة ،وكلماتي تزيد من حطامها.لم يكن في استطاعتي أن أماطلها أكثر من هذا، ولم يكن عقلي وذكائي يشفعان لديها. فهي تفهمني أكثر من نفسي، بل هي جزء لا يتجزأ من وجداني وشعوري الحسي.. رفضتْ أن تجلس أمامي لأرسمها مرة أخرى رغم كمية التحايل منى ولكنها نظرت إلى وقالت: لا تحاول..وقتها انتبهت لشيء هام في علاقتنا التي امتدت لسنوات أنني لم أقل لها في يوم ما أنني أحبها، بل كنت أتصرف معها بتلقائية نابعة من شعوري نحوها بالامتلاك.. وكم أرهقها هذا الشعور ولكني كنت أحمق، فلا تطلبوا من أحمق أن يبرر لكم أسباب حماقته وإلا أصبحتم أنتم الحم.. أسف أعتذر عن التطاول الغير مقصود، فأنت تعرفين أنني لم أبغ حقا أن أسيء إليك، ولكن الأمر خرج عن سيطرتي لأدواتي وعند لوحة الرسم المعتادة.. أتسمحين أن تخلعي هذا الإيشارب عن وجهك، فإنني أريد أن أرى ملامحك واضحة.. تصوري رغم كل هذه السنوات لم أحفظ ملامحك بعد.. ورغم فوز لوحتي التي رسمتها لك بالجائزة الأولى، ولكن دائما ما تأتى ملامحك غامضة، وكأني أراها من خلف شبورة من الضباب الكثيف.. أسف أزعجك معي دوماً.. فهل تخلعين الإيشارب الآن؟..ماذا كان حالنا الآن؟.. وماذا كان حالنا منذ زمن؟..فأنتِ دوماً الظل الحقيقي لجسدي.. هل تتذكرين يوم أن قابلتك لأول مرة ،يومها أظن أنني انتبهت لملامحك جيدا، بل رأيت فيك الصورة الكاملة لفتاة عاقلة، وفوق هذا موديل جميل أستطيع أن أرسمه لسنوات دون ملل.. قال مراد يومها: موديل جميل هل تبغي حقا أن تكون لوحتك القادمة عنها؟.. ولكن احذر لا وجود للموديل العاري الآن.. أنها موضة قد انتهي وقتها، ولا أظن لمثلها أن تخلع ملابسها أمامك مهما حدث..لم يكن مراد يعرف المستقبل ولم يكن من المتنبئين، ولكنه أدرك طبيعتك منذ أول نظرة تلك الطبيعة التي لم أفهمها أنا رغم مرور سنوات على علاقتنا.. حينما أردتُ أن تتعرى أمامي، رفضتِ بشدة رفضتِ لدرجة أنني تخيلتُ أنى طلبتُ منك المستحيل، ولكن تلك الورقة وتلك الاحتفالية الغريبة التي أصررتِ عليها، وتلك الشكلية العجيبة من الارتباط بمجرد ورقة عند شخص معمم هي من أعطتك الإذن كي تتعرى أمامي، نعم تلك الصورة الغريبة التي لم أجد لها مبررا داخلي سوى أنني أردتُ امتلاكك، وكنت أنتِ شديدة الحرص على إرضائي بعدها.. مستحيل أن يكون هذا هو تفكيرك، وأنت خريجة الجامعة الأمريكية وأستاذة في علوم اللغة، كيف لم أفهمك ؟!..وكيف لم أفهم حجم علاقتنا بتلك الورقة؟! .لم يكن يوم زفافنا يوما عادياً.. أتذكرين؟.. بل أنتِ وقفتِ تنظرين إلى في وجل، ونظرات الخجل واحمرار خديك يفوق الوصف، لم يدر بذهني وقتها أن خريجة الجامعات التي تدرس اللغة تكون بهذا الخفر.. ساعات طويلة انتظرتِ منى أن أقوم بأي فعل تجاهك، فعل مشروع في ليلة كهذه، ولكنني كنت أنظر إلى ما أبعد، أنظر إلى خلاياك وجسدك الذي أريده أن ينطبع الآن على تلك اللوحة البيضاء، وعندما أمرتك بخلع ملابسك دهشتِ، بل دهشتك كانت غامضة بالنسبة لي، لماذا ؟! ألم يكن شرطك لتتعرى أمامي هو هذه الورقة وهذا الاحتفال؟!..همستِ وقتها في خفوت: هنا..نعم كنت أريد أن تخلعي ملابسك عنك هنا في الصالة، أكان لابد من غرفة نوم حتى أرى جسدك؟ ، لا هنا في الصالة، ارتجف جسدك بشدة وأنا أخلع عنك ملابسك بهدوء وآدمية، كنت إنسانا ،أتذكرين؟.. لست ساعات وأنتِ تقفين أمامي عارية في الصالة ليلة زفافنا لأرسمك، لا تقولوا إنني مجنون بل كنت أريدها، أريد تفاصيل الجسد الذي أخفته عنى، ذلك الجسد الذي عشقته بجنون، عشقت كل ثناياه، عشقت نتف الزغب الخفيف من الشعر الذي لم تنجح الماشطة ناجحا كاملا في أن تخليصك منه ليلة زفافك، عشقت كل جسدك الحي، الذي وهبه لك الله، وماذا في هذا؟! .. كنت مجنونا، ليكن، ولكن كانت ارتجافتك تعطيني الحياة، وأنا أواصل رسمك بدقة متناهية.. ست ساعات ليلة زفافك تقفي أمامي أنا زوجك كما تقول تلك القسيمة التي تحتفظين بها للزمن، هل بالفعل عذبتك؟!.. هل بالفعل كانت تلك الساعات الست هي أقسى لحظات حياتك ألماً؟!.. لماذا لم تنطقي وقتها؟ لماذا لم تقاومي جشعي لهذا الجسد الذي هو أنت، مازال لديك القسيمة ومازال لدى اللوحة الأولى لك، بعد هذه الفترة وهذا الزمن ورغم كل اللوحات التي رسمتها لك لم أفهمك، وظلت صورتك كأنها ذكرى تأتى إلى من ماض بعيد.. اللعنة .. لماذا تعترضين هذه المرة ولماذا تهجريني..أبعد كل هذه السنوات تهجرينني اللعنة.. أكل هذا من أجل مساحيق التجميل ومن أجل هذا الطبيب الغبي الذي قال لك:إن ما حدث لوجهك هو من تأثير كثرة المساحيق التي كنت أطلب منك وضعها أثناء رسمك..أتصدقين هذا، لوحتك فائزة عزيزتي.. لماذا هذا الرفض الذي بداخلك، أتقولين:إنني عريتك أمامي، وأمام العالم.. أنني كنت السبب في فضحك أمام الطلبة في الجامعة، لسنوات وعدتك أن أحتفظ بهذه اللوحة الأولى مدة الحياة ولن اعرضها على أحد، ولكني بشر طمعت بالفوز، فكان يجب أن أظهر هذه اللوحة للناس، أنتِ من رفضتِ أن أرسمك عارية مرة أخرى بعد ليلة زفافنا، والمسابقة كانت عن لغة الجسد وماذا كنت أفعل، جسدك هو اللغة الوحيد التي أتقنتها بشدة وجشع.. أنني انتظرك، انتظرك أن تعودي لي ولكنك تصرين على رفضك والآن تطلبين الطلاق.. لماذا ؟!.. لماذا ؟!


مزامير الحي  

Posted by: محمد إبراهيم محروس

مزامير الحي ..
بقلم محمد إبراهيم محروس .
تفتح شباك نافذتك ، تتطلع إلى الشارع في هذا الوقت من الليل ، السكون الدائر حولك يدعوك للتأمل .
شرخ في ذاكرتك ، لا تعرف من أين يبدأ أو إلى أين ينتهي .
ترى بعض الأضواء المتراقصة في نهاية الشارع .. تعرف أن فرح ( عفاف) قد انتهى منذ مدة، وأنك لم تحضره، وأنك لم تكن العريس الموعود..
تتذكر أنك لم تحب ( عفاف ) يوما ما بالقدر الكافي ، برغم كثرة مقابلتكم .. ولكنك أحببت كل فتيات الشارع، تكتشف أنك تحب الأنثى لمجرد أنها أنثى.. كل مغامراتك تتذكرها، ترجع بعقلك أن أحد أحلامك البسيطة هي زوجة ، وشقة ، وطفل يعبث بشاربك الكث الذي تفخر بوجوده .
ترى صبي مقهى الميدان يبدأ في الاستيقاظ، بعد وهلة يبدأ في فرش كراسي المقهى.. تنادي عليه بصوت هامس مسموع ، يقترب منك وفي عينيه وخم النوم .
تطلب منه كوبًا من الشاي، يضحك وهو يخبرك إنهم لم يبدأوا بعد.. ومن الأسهل أن تخش مطبخك لتصنع لنفسك كوب الشاي.
يعود للمقهى مسرعًا مع وعده بإحضار الكوب عندما يستيقظ الآخرون .. تعود أنت لحالة التأمل اللا نهائي ، تجد صعوبة في النوم ، وتجد صعوبة في الدخول؛ لكي تعد لنفسك كوب شاي ، تخرج سيجارتك التي أصبحت إحدى ضروريات حياتك ، التي هي فى الأصل بلا ضرورة حتمية ..
تنفث الدخان إلى الهواء ، تبحث بعينيك عبر الشارع عن شيء خفي .
وتثقب بعينيك جدران الحوائط في منظر تخيلي عجيب، خيالاتك المريضة تفتح نوافذ الشقق ، وتهدم الحوائط . تنظر داخلها بعين خيالك.
تتصور ( مروة) وهي تنكفئ على كتبها من أجل الثانوية العامة ، تتخيلها في قميص وردي وقد كشف عن ذراعين ممتلئتين .
تتذكر كيف كنت تحملها وهي طفلة بعد .. تتصور أن درس اليوم في علم الأحياء والجهاز التناسلي ، تضحك من نفسك ، وتتساءل ما الذي يدرسونه للبنات اليوم في المدارس ، تتذكر نصيحة أحدهم عن الوعي الجنسي ، وتضحك .
تتخيلها بين ذراعيك عطشى إلى الحب ، تتوجس من نفسك خيفة .
تهرب بعين خيالك إلى عم ( صافي) ، ومرضه الدائم وتردده على العيادات ، وعن ابنته ( هدى) تتذكر أنك أحببتها دون الأخريات بكثير ، تتخيلها بعد سفرها للخارج مع زوجها الثري العربي في بيت الجواري ، وقد ارتدت بذلة رقص شرقي ، وراحت تتمايل في غنج ، وقد اتشح أميرها العربي بالسواد ، وخنجره المتوارث يضعه في جراب حول وسطه وقد ربطه بحزام عريض ، ويستمر الرقص .. يضجرك التخيل .
تميل بنفسك إلى الهدوء ، تجد بعد وهلة أن اللعبة تستهويك .
تبدأ تبحث عن صور لأخريات في ذاكرتك ..
الشارع ممتد ، والبيوت أسرار ، وحوامل أختام نفسك ضلوا عنك بختم الراحة والهناء .. تخترع لنفسك قصة أخرى .. وتبدأ في عزف مزامير خاصة بك ..
تتصور ( سعدية) زوجة البواب ، وتتخيلها في قصة النداهة ، ثم تعود لنفسك من جديد .
عالمك متشابك وعجيب ، بنات أفكارك يعبثون بك .
مريم وزوجها المسجون في الواحات ، من يؤنس وحدتها ، زينب وزوجها الذي يعمل في الخليج من يلبي طلباتها .
تضليل ثم تضليل .
هذا ما تراه بعينيك عبر السدود اللامرئية للعالم .. تبدأ منذ البداية ، تشاهد عبث ظنك بالأشياء .
حواء ، وآدم قصة تتكرر في خيالك آلاف المرات ، الوعد بالجنة ، والنار يؤرقك .. تتوقف مزامير خيالك عن العزف .
تبحث عن حل وسط جنونك اللانهائي .
هل كانت الأفعى أم إبليس السبب ؟!
وهل حقًا حملت الأفعى إبليسا بين فكيها ودخلت به الجنة ليغوي آدم؟! ..
هذا ما قاله لك صديق إنه من البديهيات ، لا داعي لترفض أفكار الآخرين .. هكذا قالت لك ( عفاف) في يوم ما .
تشرد إلى جورجيت اليونانية وأمها ، تتذكر كلمات الأم وهي تحذرها من الرجال في سن مراهقتها الأولى :
جورجيت أوعي جورجيت حد يمسك صدرك ، يلمس جسمك ، أوعي .
تضحك من التخيل بعد رحيل الأم عن الدنيا ، وتضحك أكثر عندما تتذكر أن جورجيت تواعد نصف شباب الشارع ، وأنها أدمنت اللعبة ولم ينفعها التحذير ، تتخيل جورجيت في أحضانك ، ثم تتوجس من نفسك خيفة مرة أخرى ، تخاف من الفشل ، السن يكبر بك ، وكل النساء وصورهم أفكار متعاقبة ولاهثة في حياتك.
تتخيل جورجيت وهي في جسدها الممشوق تجري في الشارع عارية تماما والشباب يقذفونها بالحجارة .. يلهيك التخيل .. ويلهبك.
تبدأ في عزف جديد علي مزامير الحي ..
ترى بعين خيالاتك صورة أخرى لإيمان تلك الفتاة الجامعية التي كانت تعمل في عيادة طبيب العيون المشهور ، وأحبت زميلها التمرجي ، تضحك على ما اكتشفته بعد ذلك أن صديقها كان يتسلل إلى بيتها بعد الثالثة صباحا ، تفتح له الباب بحرص وبقميص يكشف أكثر مفاتنها ، وفي غرفة نومها يمارسان الحب بكل أنواعه ، تتمايل تحت ثقله وهم يشاهدان فيلمًا خاصًا .. تعود للعيادة صباحًا ، يطلبها الدكتور المشهور لنفسه بعد أيام ، ولكنه لا يطلبها كزوجة بل عشيقة .. تضحك من نفسك ، في فترة ما أحببتها ، في فترة ما أدمنت النظر إلى عينيها الخارقتين .. تهرب إيمان من بيت أسرتها مع صديقها الممرض ، تعود بعد فترة تحمل بين يديها أحلام الخيبة ..
يجدد الطبيب المشهور وعوده لها ، تحاول أنت تشفي الحقيقة .. تهرب إيمان مرة أخرى منك ، وكأنها تعودت الهروب ، مثلك أيضا يهرب .. تهرب من الحقيقة إلى الأحلام وإلى الغريب مهما كان .. وكأنك ولدت لتبحث عن حقيقة الدنيا !
تزداد اللعبة خطورة الآن ، صوت مزامير الحي يعلو فوق عقلك وروحك .
تقترب من أبواب مغلقة في نفسك ، وداخلك ، تبحث عن السر ، تجد أنك تعزف المزامير وحدك ، تنظر بعينيك إلى العمارة المقابلة تتصاعد الأفكار مع كل دور وشقة وكأنك تكتب تاريخا جديدا للحياة ..
تقف عند نافذة معينة مغلقة منذ فترة ، ترى بعين خيالاتك صديقتك المقربة التي كنت تأخذها إلى المدرسة صباحا وتعود بها وقت الانتهاء ..تتذكر كم قلت لها إنك تحبها وإنك سوف تفعل المستحيل لتتزوجها عندما تكبر .. ترى أنها كبرت مثلك ، وبعد مشاوير طويلة عبر قطار الجامعة استقرت في شقة في الإسكندرية ، وفتحتها على البحري كما يقولون .
عادت لتتزوج من شخص فاحش الثراء ، تصيف في الساحل الشمالي ، تملك رصيدًا عمر أبيك ما حلم به كما سمعت ..
صوت المزامير يزداد علوًا .
تحسب سنوات عمرك كلها ، تضرب مرتبك الشهري في مئة عام ، تجد أنه لا يساوي ثمن فيلتها الجديدة ، تزيد من عمرك مئة عام أخرى ، ترى أنك لم تبلغ ثمن عربتها .. تزيد من عمرك سبع مئة سنة أخرى .. لم تبلغ نصف ثراءها الآن .
هل جحد آدم فجحدت ذريته ؟!
تضحك من نفسك وتخيلك ، ترى أنك تضاجع بنات أفكارك ..
ترى أن القصص هي لعبتك والتخيل هو حياتك كلها ..
تبدأ في رسم قصة أخرى لك ولها ولزوجها ، صورة لك تقتله وتأخذ مكانه ..
هل قتل قابيل أخاه هابيل عن حق ؟!
أم لأنه هابيل فيجب أن يقتل ؟!
أم يجوز أن قابيل أحب بصدق ؟!
الغريزة دافع أساسي للحياة .. لتعزف مزاميرك وحدك أيها الحي .
تتطلع بعين أخرى إلى المقهى .. ترى أن النهار ما زال بعيدا ، وأن كوب الشاي لن يأتي الآن .
تعود لنفسك ، تتساءل ما معنى الحياة ، وما معنى المتع؟!
وأي متعة ألذ من الأخرى، النساء ، المال ، السلطة ؟!
ترى صفية وهي تساند زوجها في الانتخابات الأخيرة والوعود المتكررة ، سياسة لا تحب ..تتخيل ما حدث بعد فوزه كأنه الجنون ، صفية تمارس الحب مع السلطة ، وزوجها يضمن كرسيه ، تموت أكبر بناته في حادثة مدمرة يبني لها مسجدا وعيادة للبر ..أخوه أصبح يركب أفخر أنواع السيارات وتطارده الفتيات ، مع أنه ليس برجل حق .
وأنت كما أنت تحلم بطفل وزوجة وشقة ، ترى أن أحلام خيالك تثقل على نفسك ..
تشعل سيجارة أخرى ، ترى صبي المقهى ( حديدة) كما يطلقون عليه ، ما يزال مشغولا برص الكراسي ، تنادي عليه مرة أخرى لتقتل إحساسك بالوحدة ، يقترب منك ضاحكًا .
يتساءل إن كنت ما زلت تحتاج لكوب الشاي ، تهمس له ما أخباره ، وهل حقًا تزوج مرتين ، يضحك ( حديدة) المعتوه قليلا ، ويخرج من جيبه حبة زرقاء مستوردة يعطيها لك .
لتظل أنت تضحك، وتضحك
وفي الأفق تتخيل رجلا عجوز يسحب زوجته خارجًا من بقعة خضراء وكأنها الجنة..
ومزامير الحي تعزف أمامك لحنًا لانهائي.. بينما تتراقص كل فتيات الشارع عاريات أمامك ..

عطر امرأة  

Posted by: محمد إبراهيم محروس

عطر امرأة ( محمد إبراهيم محروس،أيمن شوقي، د.أسماء علي)
قصة مشتركة في كتابتها بين:محمد ابراهيم محروس أيمن شوقي د\أسماء علي.............(عطر امرأة)انكفأ على كتابه يدقق فيه عدة مرات باستماتة، كأنه يبحث بين السطور عن شيء غائب، قلب صفحات الكتاب عدة مرات، وقلبه وعاد للبداية للقراءة.. ومرة أخري يقف عند صفحة بعينها.يُدرك أن ما يريده موجود بها ، ولكن الذي يريده حقا لا يدري كنهه؛فهو شيء غامض يلعب في أحاسيسه منذ الصباح.. نظر للصفحة بفضول غريب، وقرر أن يبحث مرة أخرى ومنذ البداية.. وقتها مرت بذاكرته الحقيقة .تلك الحقيقة التي غابت عن ذهنه لأنها تتعلق بالليل.. فقط في الليل تعود إليه ذاكرته .. كأن الحكاية كلها تكمن في ارتباط تلك الصفحة بالليل فقط.. تذكر حينما كان يقرأ هذا الكتاب لأول مرة، وعندما وصل إلى تلك الصفحة أصابته بعض الهواجس والحنين لشيء ربما فعله يوما ونسيه باقتدار أو كأنه مارس طقوسا لا يدريها ..وتلك الصفحة ذكرته بكل شيء؛في الليل كانت الذكريات متفاوتة ، مشوشة ... لكنها كانت تقترب من بعضها في كل يوم ... حتى جاءت تلك الليلة ، التي سطع فيها القمر بدرا في السماء ، وخلت النجوم لينكشف الستار عن اسم مكتوب داخل السطور ، اسم قد خبأه فيما مضى بمهارة ، اسم الفتاة التي ستعيد له فهم فحوى تلك الفجوة في ذاكرته وبدأ كل شيء يتضح تدريجيا ،وبدأ الزمن يفترش كله أمامه بمنتهي الوضوح .كان الحب الذي لازم كل صباحاته ومساءاته ، كان تلك الوردة الغريبة التي اقتنصها من فوق سفح جبل أثناء رحلة لهما سويا في الأقصر وسط وادي الملوك .. طوى تلك الوردة الغريبة بعد أن رشتها بعطرها وضمها بين سطور هذا الكتاب.. ولكن منذ سنوات؛ وعندما صدمت حبيبته فجأة سيارة سوداء بدت كأنها نبتت من العدم وسط صفحات الليل، كان الظلام قد أغرق الصفحة!
من يومها وهو مُقتنع بشيء غريب في تلك الوردة وتلك الحبيبة .. وطوى تلك الصفحة .. لكن ذلك التراث الجمعي الذي تحمله الوردة لا يود الصمت .. حتى بعد كل تلك الأعوام، ونسيانه التام تعود تلك القوة الغامضة للوردة؛ لتذكره بدوره الذي يجب أن يؤديه .. ذلك الدور الذي هرب منه سابقا .. نداء غامض يدعوه أن يتم مهمته التي لم تكملها حبيبته.. وفي برود وآلية لم يشعر بها ، وضع صورة الحبيبة مع الوردة في حرص شديد داخل قارورة خاصة، لم يكن يعلم متى اشتراها.. وذهب بخطوات ثابتة ، باتجاه النيل ، وكأن النداهة قد قامت من سباتها ، وتوقف طويلا أمام مياهه الراكدة ، حتى أشاح ببصره مودعا كل شيء ، ليقفز هو والقارورة نحو أعماق النيل ، ملبيا نداء البدر ... والقمر ... والحبيبة.. وبعد ثوان من ارتطامه بالماء شعر أنه يذهب إلى هناك إلى تلك الصفحة المنطوية من ذاكرته ،يبحث عن حبيبته بين كل الأشياء المفقودة في الذاكرة ..يشعر أنه يذهب إلى الموت بقدمه، ولكن المدهش أنه لا يشعر بأي ألم أو ضعف، بل على العكس يشعر بارتياح عميق يكتنفه.. وبعد ثوان غريبة أو دقائق وهو سابح في غيبوبة بين الموت والحياة وجد يدا تضغط على جسده بعنف، وهو يطرد ماءا كثيرا ابتلعه.. واحد الأشخاص واقفا ينظر إليه وهو يقول : الحمد لله أنقذناه ولكن أين تلك الفتاة التي قذفت نفسها وراءه إنني لا أراها ؟!بدأ عودته تدريجيا إلى وعيه ،ووجد الزجاجة في يده تحمل صورتها والوردة، وشعر أن الصورة تبتسم له بسخرية تتهمه بالجبن .. قام منتفضا ونظر لمن حوله كأنه ممسوس، وتركهم يضربون كفا على كف، وأسرع مبتعدا تتناثر منه قطرات الماء .. دخل منزله رمى بالزجاجة على سريره بقمة الجنون و أبدل ملابسه بأخرى جافة .. وعاد ليفتح ذلك الكتاب على تلك الصفحة التي تحمل السر أو التي استمدت السر من الوردة المخيفة .. حقا أصبحت الذكرى لديه مخيفة فقط...
وفي عصبية ولهفة ، فتح صفحة خاصة ، تحمل تاريخ وفاتها ورائحة الموت ، وأخذ يتذكر اليوم الذي التقط فيه تلك الصورة ، مع أصدقائه وأصدقائها ، وتذكر تلك الفتاة التي غازلته ، أجل كانت في تلك الرحلة المشئومة، وبعد لحظات شعر بمذاق غريب في فمه، وهو يعود للتطلع للكتاب.. وكأن تلك الصفحة تخرج لسانها وتغيظه؛ وكأنها تحولت إلى كائن حي يشعر، ويتأمل، ويشاهد.. ويراقبه في فضول ، للحظات بدت السماء ستمطر، وبدا أن الجو كله ينذر بعاصفة، ولكنه لم يدر هل كانت العاصفة بالخارج أم بداخله.. ولكنه أغلق الكتاب مع صوت آذان الفجر، وصوت هامس في أذنه: سأعود ليلا يا حبيبي سأعود ليلا ..

عتمة الأشياء  

Posted by: محمد إبراهيم محروس

" عتمة الأشياء "
من وسط عتمة الأشياء, انسحب (بدوى) إلى ركنه القصي في جانب المقهى, تحت الشجرة التي لم يغيرها الزمن إلا قليلاً, فأضاف إلى جذعها شريطًا ملونًا من الأضواء البراقة؛ فتحولت إلى شجرة مضيئة. العجيب أن هذا الضوء زاد قلق( بدوى)، برغم أنه يسكن بصندوقه لتلميع الأحذية بجانبها, منذ سنوات عديدة.أراقبه من مجلسي وألمح في عينيه نظرات الترقب القلق، وأدرك نظرات التساؤل في عينيه، هل سيكفيه ما أجاد به اليوم من رزق عن عدم مد يده للمارة؟السؤال الملح الذي يقلقه دائمًا.. هل هو بعمله هذا يتسول؟!منذ نزح من بلدته في أقصى الصعيد, قد اختار هذا المقهى المشهور، الذي يحتل جزءًا هامًا من الميدان، لم يتخيل أن الأيام ستأتي له بهذا.. أنه يعلم جيدًا ويدرك حجم كرامته التي فرط فيها, والتي انفرطت أمامه كعقد تمزق؛ فنثرت حباته على أسفلت الطريق.. أمامه حذاء يلمع فيه, وينظر إلى ما يفعله بعجب.. حبل النور الملتف حول الشجرة أَضّعَفَ بصره،اهتزاز الأضواء وتراقصها, جعله يفقد تركيزه.. اللعنة!لماذا أصر صاحب المقهى على إنارة الشجرة بهذا الشكل, سأل أحد صبية المقهى هذا السؤال؛ فأجابه ضاحكًا:- لا يا عم الحاج ده الحكومة ..فغر فاه في عجب وهو يقول:- الحكومة ؟!ضحك صبى المقهى :- إيوة يا عم الحاج .. الحكومة نورت الشجرة والشارع كله.. وأخدت من كل محل مئة جنيه, تمن لحبل النور..اشتدت دهشة (بدوى) وانزعاجه, لقد غاب شهرًا في بلدته؛ يعود يجد الشجر كله مضاء. كيف لم ينتبه أن الإضاءة لم تشمل شجرته وحدها ؟!بل كل أشجار الشارع.. مئة جنيه .. معقول!. وشرد بذهنه , الشجرة ملتفة بحوالي عشرة متر سلك.. المتر بأربع جنيهات.. يبقى الحكومة.. أستغفر الله العظيم.. سرقت من كل محل قدامه شجرة ستين جنيه؛ ضحك ..أهو يتسول؟! الحكومة تتسول.. لماذا لا يتسول هو ؟!المقهى يعج بالبشر ، والكل يحتمي بداخله من المطر الذي بدأ يزداد كل ثانية.والبرد القارص فرض سيطرته على المكان.. راحت الأدخنة تتصاعد من داخل المقهى.. وأنفاس (النارجيلة) منتشرة في المكان, والمعسل ذو الرائحة النفاذة, تخترق رائحته رئتيه،وتجعله يسعل باستمرار؛ وأين له بثمن الطبيب؟! حساسية في الصدر.. هكذا قالوا له في المستشفى العام.. لقمة العيش؛ ليتحمل آلاف من الرائحة المؤذية من أجل لقمة العيش.. المطر يزداد.. كأن الكل يعانده حتى الطقس.. الحياة من حوله تتجمع كلها داخل المقهى.اللعنة ! الأضواء مازالت تتعب عينيه، والسعال يجعله متنمرًا قلقًا؛ ليتوقف عن تلميع الحذاء؛ ولينسحب للداخل حيث الدفء، ولكن صدره لن يتحمل حجم وكثافة الدخان ورائحته.نظر إلى الحذاء الذي أنهى تلميعه، ثم برقت في عينيه نظرة متحفزة وصاحب الحذاء يطلبه. بحلق الرجل في الحذاء، وهو يصرخ :- إيه ده .. الجذمة باظت.نظر بدوي إلى الحذاء الذي يحمله بين يديه, وكاد يصرخ؛ لقد لمع الحذاء البني.. باللون الأسود..وازدادت عتمة الأشياء بداخله مع ازدياد بريق الأضواء.

روح الدنيا  

Posted by: محمد إبراهيم محروس

نور وقطعة الشيكولاتة ..
طفلة صغيرة تتراقص في الطريق تحمل على وجهها ملامح قسوة .. تعبر الطريق أمامك ، ولا تعبر ..تظل تتراقص بين العربات في قسوة وعنف .. بندول متحرك وهي تمد يدها للمارة بعلبة المناديل .. تتابعك بعينيها المتسعتين ،وقد غطى ملامحها الطفولية شيء من الغموض ، وكأنها قادمة من عالم آخر ..تتعلق عيناك بها لثوان ، ثم تتركها؛ لتكتشف أن هناك شيئًا يحدث بداخلك ..تتعلق بك في روحتك ومجيئك ، تجد ظلا لطفلة تتشبث بملابسك ، تحاول أن تفر منها ، ولكن تلاحظ أن الإلحاح شيء من طبيعتها ، برغم سنواتها التي لم تتجاوز الخمس ، ولكنها كأنما جبلت على الحياة دون قصد .. وكأنها تعرفك جيدًا ما تفعله ..تمد أنت يدك في جيبك ، تتحسس أوراقًا مالية ضخمة ، تبحث عن فكة وسطها ، تجد نصف جنيه أصابه التمزق ، تعطيه لها وتنصرف .تلمحها تتباعد؛ لتتشابك يدها بملابس آخر يعبر الطريق، وهي تمد يدها بعلبة المناديل ..ترى في عينيها – ووجها الذي بدأ الشحوب يرسم معالمه عليها- نوعًا من التمرد على الدنيا .. ترسم في خيالك صورة لها في المستقبل ..وتتمزق أمعاؤك ..بعد فترة ولمكوثك الدائم بالقرب من مكان تواجدها ، تتعود عيناك على رؤيتها ، تفتقدها أحيانا .. تبدأ تضع في جيوبك فئات صغيرة من العملة تحسبًا للظروف ، وفي جيب جاكت البذلة تضع قطعة كبيرة من الشيكولاتة .. بعد فترة تبحث بعينيك عنها ، تحاول أن تتقرب منها ، ولكن نصف الجنيه الأول الممزق أعطاها إحساسا بأنك غير عطوف ..تهرب هي من طريقك ، وقد ترميك بنظرة متنمرة .تحاول أن تبدو إنسانا تقترب منها ، تضع في يدها عملة ورقية كبيرة ، وتخرج من جيبك قطعة الشيكولاتة؛ لتمدها إليها ، لا تهتم بالعملة الورقية ، تنغرس عيناها في قطعة الشيكولاتة، تأخذها بأصابع مرتجفة، تفتح ورقها اللامع ، تقضم منها في تلذذ ، تنظر إليها في فرح ، تري ابتسامتك ، تعيد لك الورقة المالية في أنفة عجيبة ،وهي تقسم القطعة نصفين ، وتعطيك نصفها لتشاركها ، تتوجس نفسك خيفة، وأنت ترى قذارة يدها .. ترى هي تلك النظرة الخائفة في عينيك ، وتتنمر ملامحها ، تلف القطعة في ورقتها وتدفعها في يدك .. تشعر أنك خيبت رجاءها ، تنظر إليها في تسامح لا تعرف من أين يأتي ، ثم تخرج قطعة الشيكولاتة من ورقتها ، وتضعها في يدها مرة أخرى ، ثم تأخذها من يدها وتقسمها نصفين ، وتدفع النصف الذي يخصك في فمك وأنت تبتسم ، تبدأ هي في استحلاب الباقي .تعتاد مع الوقت وجودها بجوار عملك ، تخرج تبحث عنها دائما .. تعرف أن اسمها نور .. أصبح باكو الشيكولاتة الفاخر أحد أهم الأشياء في جيبك ، وكأنه هاتفك المحمول .. تمد يدك دوما تتحسس جيبك لتطمئن على وجوده ..البعض ينظر إليك متشككا أحيانا وأنت تقف بعربتك في الإشارة ، وتفتح لها الباب لتدخل ، تدلف بملابسها الرثة ، يحتل جسدها جزءًا صغيرًا من المقعد بجوارك ، تدفع يدك في جيبك، تخرج باكو الشيكولاتة ، تدفعه في يدها لتقسمه اثنين ، وترمي الغلاف الفضي خارج السيارة ، تقسمه بيدها ؛وكأنها تؤكد سيطرتها عليك ، وتدفع لك النصف تضعه في فمك وتبتسم .. تشعر بنبع من الصفاء الداخلي لا تعرف من أين يأتي .تتأمل وجهك في مرآة السيارة الأمامي ، وتتأكد من نظافته جيدًا ، تمد يدها بعلبة مناديل من التي تبيعها إليك وترفض أخذ ثمنها .. أصبحت العادة أن تقف بسيارتك في الإشارة؛ لتتناول أنت وهي قطعة الشيكولاتة في تلذذ غامض غريب ، وسط استنكار البعض ، ونظرات الفضول ..تمر الأيام ، تجد أن التعلق بها أصبح غريبًا جدًا عليك .لا تبغي أحيانا وسط ملل الحياة سوى أن تتطلع إلى وجهها الهادئ ، الذي هربت منه بعض ملامح القسوة .تبدأ يومك بإحساس مختلف .. تبتسم وتتذكرها ، وتتذكر أن هناك شبه ميعاد بينك وبينها ، وكأنها أصبحت من ثوابت حياتك ، تتأكد من رابطة عنقك التي تشعرك بالاختناق ، تذيل بعض الغبار العالق بالبذلة ، وتضع عطرك الفاخر ، وتتأمل وجهك ، شعور بالانتشاء يشملك .تشعر أنك تأخرت ، تهبط في لهفة ،تخرج بالسيارة مسرعًا ، لا تريد أن تتأخر على ميعادها ، تراها في الإشارة ، تلمحها تتنطط بين العربات في سرعتها وشقاوتها ، تري هي سيارتك ، تقبل مسرعة- وفي عينيها ألق رهيب وطاقة من النور مرتبطة باسمها نور - وهي تتراقص بين السيارات العابرة .لا تنتبه هي للسيارة الفارهة التي تقطع الطريق بسرعة ، تتسمر ملامحك على السيارة المسرعة وأنت تصرخ : نور.تسمع صوت الارتطام كانفجار مكتوم ضرب جسدك كله، الذي انتفض بعنف ، وقد طار جسدها الصغير في الهواء لأمتار قبل أن يرتطم بالأرض .. قلبك تتسارع دقاته بفزع .. ترى جسدها على الأرض ينتفض بعنف ، تجري وتجري ، ترفعها بين يديك تغرق الدماء بذلتك وعلبة المناديل ، التي كانت تحفظها من أجلك .ترى الناس تحدق فيك ، ودموعك تغرق وجهك كله ، تصرخ بانكسار رهيب ، عندما ترى أنها فارقت الحياة .يتوقف الزمن بك ، تضع جسدها على الأرض وأنت تبكي .. تجلس بجوارها على الرصيف تبكي ، وتبكي .تمد يدك في جيبك لتخرجك باكو الشيكولاتة ، تتحسس جيوبك وتفتشها لا أثر لقطعة الشيكولاتة ، تكتشف أنك نسيتها .. ترى باكو المناديل الذي يخصك قد غرق بالدماء .تزداد دموعك في الانهمار وللأبد .

محمد إبراهيم محروس