عدت وحيدا، ومهزوما يا صديقي..  

Posted by: محمد إبراهيم محروس



كم كنتَ تشعر بالألم يا صديقي..
كم كانت هناك بحور من النار تغلي تحت جلدك.
لا أستطيع أن أعاتبك بسبب أو دون سبب..ولكنى أشفق عليك..
أشفق عليك يا صديقي من تلك النيران التي تلتهب بداخلك..
أشفق عليك من إحساسك بالتمزق..
كم كنتَ ضعيفًا وقتها..لم تشعر كيف كنتُ أتمزق بسببك..تذكرتُ ..
تذكرتُ وتألمتُ بلا نهاية .
قلتَ لي: سوف أذهب لملاقاتها أخيرا تحقق حلمي..أخيرا سوف أفك حصون شفرتها السرية كأنثى عصية عنى.
ليال طويلة ذرفت أنتَ فيها ملايين الدموع
خضت الشوارع من مشرقها لمغاربها ترسم صورتها على الهواء الذي يتنفسه البشر.
كانت دموعك تؤلمني، بل تقطع في جسدي.
كنتُ وأنا أراها لا تميل إليك ، أكاد أن أقطع عليها الطريق وأقول لها:
- أرحميه ،أرحمي صديق عمري الذي لم يبخل عليّ يوما بالحب..حتى عندما أحبك كان يجعلك الملكة المتوجة على عرش النساء.
كنتُ أتألم وأنا أراه يقترب منك في توجس، وتحت عينيه تسكن بحور من الدموع..
كنتُ خائفا أن يضيع منى هذا الرقيق الحالم.. صديق عمري.هذا الذي ولد في زمن ليس له..
وكنت أنتِ بعيدة عنه بقلبك وعقلك..لم يكن فارسك..أعلم هذا.
عندما كنتِ تصفين لي من هو فارس أحلامك..
كنتُ أريد صفعك مائة مرة ؛حتى يلتهب وجهك ؛حتى تشعرين به، بهذا الإنسان صديقي..
إنه إنسان أقسم لك وللجميع إنه إنسان..ما الذي حطم كل شيء بينكم قبل أن يبدأ، ما الذي جعلك تظنين أنه لا يعشق مثل الجميع..
مجرد أنه يتوه أحيانا في الأحلام كلنا نفعلها.. كلنا نفعلها ..
آه كم نزف قلبي آلاف المرات، وأنا أرى دموعه المخفية تحت عينين تحتضن الدنيا..
آلاف المرات يا صديقي كنتُ أرسم لك في خيالي ألف صورة، أراك كما كنتَ دوما فارس الكلمة الشريفة ، عندما يخونني الأصدقاء وتهرب الأيام من بين أصابعي كنتُ أجدك أمامي ، ضاحكًا راسمًا البسمة على شفتي مرة أخري ..
لم أتخيل يوما أنني من الممكن أن أعيش دون وجهك، دون تلك الابتسامة الرائقة على شفتيك
قلت لي يوما: - الملائكة لا يسكنون الأرض.. نحن بشر ..
لم أكن أتصور وقتها أن هناك ملاك طاهر غيرك على الأرض، قلبك الذي لم أر أبيض منه قط، حنانك الذي تغطي به الجميع، وكأنه ستارة تحمينا من أيام قتلتنا وحشة..
وقتها هل تتذكر ما قلته: أنها أماني.. نعم اسمها أماني هي حلمي كله، حياتي التي أتمنى أن تولد بين إصبعيّ.. الماضي والحاضر وخطوات البشر..
وكنـتِ أنتِ الأماني .. الأماني التي قتلته ، وقتلت بداخله كل شيء ..
كيف طاوعتك، كيف طاوعتك واشتركت معك في هذه الجريمة..
ألم يدور برأسك أننا بهذا نقتله، نقتل ذاك الإنسان.. نقتله دون أن نعطي له فرصة ليعيش مثل الآخرين..
آآآآآآآآه يا صديقي كم حطمتك طيبتك ، وكم حطمتني .
عدت وحيدًا، ومهزومًا يا صديقي..
سألتُ عنك أبواب الشوارع ، وعيون البشر ،سألتُ عنه همسات الربيع وطبع الندى ، سألتُ عنك طيور السماء الحالمة مثلك..
كل شيء كان له طعم آخر في فمي، في قلبي، في الحياة.
فقدت دموعي نفسها طبطبتك عليها .. فقدت دموعي لمسة يدك وأنت تزيلها عني ..كيف طاوعتها ، وطاوعت نفسي ..
ألم أكن أعرف أنني أقتلك، ألم أكن أدري عشقك اللانهائي لها..
ولكنني مثلك يا صديقي بشر..
لم أتصور أنك ستغادر عملك مبكرا دون العادة..
ولم أتصور أن تدخل غرفة نومي لتراها عارية بين يدي..
لم أتصور ملامح وجهك وقتها ..
لم أتصور كل هذا وأنا أجري خلفك في الشوارع..
أجري وأنا أعلم أني وهي قتلناك..قتلناك ..
وربما للأبد..
آسف يا صديقي..
لم أكن أعلم ..لم أكن أعلم ..لم أكن أعلم ..
أنني للأسف بشر...

دير العاشق..  

Posted by: محمد إبراهيم محروس

على امتداد الشوف، الطريق الذي أعرفه جيدًا، أدرك حدوده بقلبي وعقلي قبل عينيّ، هناك تلك المساحة الشاسعة من الفراغ الممتد وكأنه بحر من أمواج الصحراء، تقبع مساكن دير العاشق..منذ فترة، بل منذ، ومنذ.. كنت قد اعتدت المكان، اعتدته بعد أن جلبني جدي من على صدر أمي رضيعًا لم أزل.. ورماني هنا في دير العاشق ..الصحراء المسكونة بالأشباح والبشر.. الرمال الصفراء التي تتحول في الليل لبلورات من اللؤلؤ .. على الصحراء أن تعطيك الأمان إن كنت أحد أبنائها, الأم التي تحتضن كانت هي..
أول شارع في دير العاشق يسكن بيت من دورين، يقطنه حسن الشاكي.. ممثل قديم من أيام أفلام الأبيض والأسود .. عاش في العاصمة سنوات ..
حلم أن يخرج من دير العاشق وجه يناطح نجوم العالم، يحكي كثيرًا عن هوليود، وعن ممثل مصري تم اختياره صدفة؛ ليحل محله في أحد الأفلام؛ لمرضه وقتها، وكيف صار هذا الممثل يقرع أبواب هوليود.. بينما اختفى حسن الشاكي عن السينما ، غاب لسنوات ، وعاد إلى دير العاشق كما ذهب ، وجهًا عاد فقط .
لم يهتم سكان الدير بحسن الشاكي بقدر ما اهتموا بالشجرة العجوز التي أثمرت فجأة بعد عودته بأيام بثمرة غريبة.. وما أقلقهم في عودة الشاكي غياب روحية.. سيسأل عنها ، وعندما يخبرونه بهروبها وراء شاب انجليزي كان في رحلة سياحية إلى الدير ، واغتصب من عيونها الحياة ؛ فهربت معه .. عشقت الانجليزي .. وهربت .
مات الشاكي وهو حي .. مات في بيته حيث أصبح الناس يسمعون شكواه ليل نهار ..بينما تئن حيطان داره من الضجيج .. بعد خطوات عن بيته، منزل واسع به الشجرة العجوز الغريبة، اعتدت أن أرى بطة صغيرة، تخرج منه، تعبث في الرمال قليلا، ثم تعود، كان منزل روحية.. طفلا كنت عندما هربت روحية ، وطفلا كنت وأنا ألمح ممرات دير العاشق تتكاثر فجأة بالبشر ..بحثوا عن الإنجليزي وروحية كثيرًا ، ودون فائدة ..
من الصعب عليّ تخيل دير العاشق دون حسن الشاكي، ودون البطة التي صارت عجوزًا..يقال إن البطة البيضاء العجوز هي روح روحية التي اغتصبها الإنجليزي بعد هروبها معه؛ وقتلها؛ فعادت لتسكن روحها البطة العجوز..
قليلون هم من يعترفون بطول حياة هذه البطة ..
البعض قال إنها تقطع الطريق في صمت منذ سنوات عديدة، ودوما تختفي عن بيت الشاكي..ثلاثون عامًا أو أكثر.. والشاكي لا يعترف بما يقال ..يوما أراد أن يهجم علي بيت روحية، أن يبحث عن البطة البيضاء ويقتلها، ولكنها اختفت, وكأنها تعلن تحديًا آخر..ليالٍ طويلة خرج متسللا إلى بيت روحية ليقتل البطة.. ولكن دون جدوى؛ فشل كما فشل في الذهاب لهوليود كما كان يحلم أو يزعم، كنت ألمحه في أوقات كثيرة في رحلة ذهابه ولا أهتم..
البعض تقول أشياء أخرى عن رحلات الشاكي الليلية.. قال أهل الدير: إن البطة العجوز تتحول ليلاً إلى فتاة رائعة الحسن، وإنها لا تقل جمالا عن روحية، بل هي روحية نفسها، وإنها تسلب الشاكي عقله، فيظل يمارس الحب طوال الليل، وعند النهار تضيع منه ذاكرة الأمس.. ويعثر الأهالي على طفل رضيع فجأة أول كل عام..
كنت أسمع الحكايات المتواترة بشغف طفل، ومع الأيام كبر الشاكي وشاخ، أصابه التعب، مل من حكاية هوليود، وملت أذن الناس منه ومن سماعها.. ولكن رحلته الليلية إلى بيت روحية لم تقل، بل إنه راح يزرع حديقتها بالأزهار لتلف حول الشجرة العجوز ، التي لم تعد تثمر ، ولكنه واصل في سقيها ، حتى أصبح الناس فجأة ؛ فرأوا الشجرة مورقة من جديد ..
كنت وقتها أكبر ، وتتكون ملامحي ، أرى شخصيتي المنطلقة للمجهول ..لدير العاشق بكل حكاياته وغموضه..
وقصة روحية والشاكي التي أخذت شكلا من أشكال الأسطورة.. وطفل كل عام.. وأرفض الذي بداخلي لكل هذا.. الخبال يكبر مع الأيام.. مستني حكاية روحية والشاكي ، مست جزءًا من روحي المتعطشة للحياة ..
بعد سنوات، ليلاً.. تقربت من الشاكي ، كان يقارب السبعين من العمر ، وكنت شابًا يافعًا .. وكان الزمان يختلف، كنت أريد أن أسمع الأسطورة من بين شفتيه، ولكنه لم يحك كثيرًا.. قال:إنه أحب روحية حبًا مستحيلا، وإنه سافر، وعاد وهو يحمل قلبه بين يديه، ولكنها كانت اختفت..موضوع اختفائها وهروبها مع الإنجليزي والبطة العجوز، خبال أهل دير العاشق، خبال.. ولكن عندما يرتبط اسمك بأسطورة ما ، من الصعب أو المستحيل أن تنقدها ..
لم أقتنع كليًا بما قاله وقتها .. هناك إحساس خفي أن الأسطورة ينقصها ضلع ما .. يوما بعد يوم، بدأ ضعف الشاكي يظهر قويا للعيون..وازداد اقترابي منه، لازمته كثيرًا، علمني أشياء كثيرة، التطلع للسماء، انتظار الحلم، معرفة النجوم وأسمائها.. واختفت ظاهرة طفل كل عام فجأة كما ظهرت فجأة..
دعكت ظهره اليوم بالزيت الساخن، رأيته يتململ في سريره ويهمهم.. اقتربت من شفتيه همس: الشجرة العجوز أروها.. البطة البيضاء..
ثم غرق في غيبوبة .. فشلت في أن أجعله يصحو..
وجدت قدميّ تسيران تجاه بيت روحية مدفوعًا بقوة غريبة لا أعرفها، وشعور غامض..وبداخلي هاجس غريب أنني الموعود بالسّر .. الموعود بالأسطورة ..
الشجرة العجوز وما أخفيه..أميل لأسقيها .. الليل يمارس طبيعته السرمدية، أن يخيف البشر..والقمر شحيح الضوء، وخطواتي المبعثرة على رمال الصحراء منذ سنوات.. لمحتها تقترب ، وتقترب ، بلا خوف .. ملت بجسدي بغتة ، لتصطدم يداي بها ، وأحملها .. أتطلع فيها .. البطة العجوز ، رأسها قريبة من فمي وكأنها تريد تقبيلي .. أسحب ما أخفيه تحت ملابسي في قسوة، يد تطبق على عنقها، والسلاح الذي بين يدي يلمع في الظلام..
ثوان وكانت ترفرف بين يدي بينما دماؤها تنسكب على الأرض بعنف رهيب وبصورة غير طبيعية أسفل الشجرة العجوز.. وكأنه الحلم رميتها من بين يدي، وكأنه الحلم عدت جريًا إلى بيت الشاكي.. وداخلي يقول إن الخبل اختفى للأبد..
عدت لأجد الشاكي فارق الحياة .. لم أعرف هل بكيت عليه أم لا ..ماتت الأسطورة بداخلي .. ولكن ما أقلقني بشدة هو ظهور بطة بيضاء تضرب الرمال بأرجلها وكأنه تبحث عن سر ما.. سر لكل ما حدث ..
البعض ما زال يقول :إن النواح الليلي الصادر من بيت روحية ، والبطة التي تخرج الآن ليلا ، هي روح روحية الحزينة على الشاكي ، روح الأسطورة ..
وبدأت أقوال أخرى تتناثر ، وتتساءل عنيّ .. وعن ذهابي الليلي لبيت روحية .. وشجرة عجوز تثمر من جديد فاكهة حمراء لون الدم..وتتوالد الأساطير دون جدوى ..
والآن عاد طفل كل عام يظهر من جديد..

تلغرافيا...  

Posted by: محمد إبراهيم محروس


"وصله التلغراف اليوم, قرأه عدة مرات، ولم يفهم حرفًا واحدًا منه.
التلغراف يقول:- يجب أن تحضر في السابعة إلا الربع للأهمية.
راجع عنوان المرسل منه أكثر من مرة،ولم يفهم..
أنه يعرف العنوان جيدا،لكنه لا يعلم أي شيء عن ذلك الشخص الذي أرسل التلغراف.. راجع الاسم مرة أخرى،بالتأكيد أنه لا يعرفه.. الاسم لا يثير في داخله أي ذكري،بل أثار قلقه،وأشعره بالتوتر.
هناك شيء خطأ بالتأكيد.
ربما تشابه في الاسم أو يكون التشابه في العناوين والأسماء.. مستحيل!!
أيذهب ؟ أيذهب للقاء من ؟ علامات كثيرة دارت بذهنه ،ولم يجد ردًا لها ... سيذهب وليكن ما يكون.. التلغراف لا يقول أي سابعة تحديدًا، ولماذا إلا الربع ؟!
قرأ العنوان مرات كثيرة... وتحرك ذهنه في كل اتجاه ولم يصل إلى بر..
هناك شيء غامض يدعوه أن يلبى النداء..
الساعة الآن الخامسة، إذن أمامه ساعتان إلا الربع ليصل إلى المكان المطلوب. سيأخذ دشاً، ثم يتناول كوبًا من الشاي،ربما أكل شطيرة قبل أن يتحرك... وبالطبع لن يفوت مسلسل السادسة مساء الممل...فهو عاشق للملل بكل صورة.. لذا فمن المؤكد أنه سيتأخر عن الميعاد..
مّر الوقت بسرعة عجيبة، تطلع إلى ساعة الحائط.. تنهد ليؤجل الفرجة قليلاً ؛ وحتى يستطيع أن يصل في الموعد المرتقب.. ارتدى ملابسه على عجل، فتح باب الشقة .. وخطا للخارج.. وقف أمام الباب وعلى شفتيه ابتسامة غريبة..تحرك بخطوات متئدة.. دق جرس الباب الذي يواجه شقته فتح الباب على مصراعيه، رأى سيدة شابة،يعرفها جيدًا.. وكم كان بينهما من قصص.. ابتسم لها.. دعته للدخول.. دلف إلى الداخل وهو يتمتم:- خيرًا
ضحكت وهى تقول:- نأسف لأننا أرسلنا لك تلغرافاً.. ولكنه زوجي الجديد،متزمت بعض الشيء، وأراد أن يعلنك تلغرافياً للحضور؛حتى يتناقش معك..
تمتم في دهشة:- يتناقش معي في ماذا؟ّّ! ..
فجأة جاء صوت الزوج:- هل ستدفع الإيجار أم ستخلى الشقة ؟
لم يتفوه بحرف،وانعقد لسانه، وهو يرى زوجها يتقدم نحوه في هدوء، وعلى شفتيه ابتسامة ذئبية..
وأدرك لوهلة، لماذا كان الميعاد في السابعة إلا الربع.. وتقطب جبينه، وعبس وجهه..وزوجها يقول:- سبعة شهور إلا الربع مدة تأخير كافية لطردك من العمارة،ما رأيك؟! ..
لم ينبس بحرف..
نظر إليهما دهشًا،وخرج.
وقد قرر أن يرسل الرد تلغرافياً.

وصلنا الغلاف التالي..  

Posted by: محمد إبراهيم محروس

أحلام نارية في الطريق

كتابه الذي ألفه منذ سنوات يقبع تحت إبطه مربوطًا جيدًا.
تآكلت أجزاء من الرابطة.وظهرت حواف الورق الداخلي بلونه الأبيض الملوث بالأسود ..
ما زال يحلم ،ويحلم هذا الشاب..
ابتسمتُ له ،بل ابتسمت للحلم الذي بداخله
انني قد توقفت عن الحلم منذ سنوات..
توقفت حتى عن التفكير في الحلم منذ فترة طويلة.




متأخرًا كالعادة  

Posted by: محمد إبراهيم محروس

ضبط ساعته للمرة الثالثة على الأقل، لماذا تعانده الساعة في هذا اليوم بالذات؟..إنه لا يفهم، لقد غير لها الملف وغير لها الحجر، فلماذا تتأخر؟!
حياته كلها يشعر بها متأخرة، حتى أحلامه تأتيه دائما متأخرة.ملت (سوسن) منه؛ لقد اخترع لها مبررات التأخير ما يزيد عن ألف اعتذار، كل مقابلة بينهما لابد أن يعتذر عن التأخير.. ولكن اليوم قرر أنه لن يتأخر أبدا.. سينهي كل أعماله مبكراً، وسيسأل كل من يقابله كم الساعة الآن؟!
حمداً لله الساعة الآن مازالت الخامسة.. أمامه أكثر من ساعة أخرى على الميعاد، سيسبقها إلى مكان (الكافتيريا) التي يتقابلان بها، وسينتظرها، وعلى شفتيه ابتسامة عذبة، وستتأخر هي ولو دقيقة، وقتها قد يجبرها على أن تعتذر له، ولو لمرة واحدة على الأقل... حلم بسيط.. ولكن ربما يتحقق، دخل إلى الكافتيريا مسرع الخطى، وجلس على الطاولة المعتادة، اقترب منه النادل؛ فطلب منه كوباً من الشاي، وقبل أن ينصرف من أمامه سأله عن الساعة، وتأكد أنه هذه المرة قد وصل قبل ميعاده، مرت الدقائق سريعاً، وهو يحتسي كوب الشاي في تلذذ واضح، ويتابع حركة عقرب الساعة في ساعة حائط الكافتيريا..وكاد يقوم؛ ليرقص عندما مرت دقيقة واحدة بعد الموعد المرتقب.. ومرت دقائق أخرى، ولكنه شعر وقتها بالقلق، ما هذا؟!لقد تأخرت هذه المرة كثيراً، وليس ذلك من عادتها، هل يقوم ليطلبها في الهاتف؟

دقائق أخرى تمر ولا يصل إلى حل..وأخيرا وجدها تدخل من باب الكافتيريا في ثوبها الهادئ وبعينين تتقدان ناراً لسبب لا يدريه.. اقتربت منه واقتربت أكثر، سيجهز هجومه الآن.. وأخذ يفرك يديه، وهي تواصل اقترابها.
لبرهة وقفت قبالته، ونظراتها تتفحصه بشدة، انعقد لسانه لمنظرها فقال: مالك هل هناك شيء ما، لماذا تأخرت؟!..
نظرت له بدهشة أكبر، وهي تخلع خاتم خطوبتهما؛ لتضعه في يده، وتقول: بل أنت الذي تأخر كالعادة.. ميعادنا كان أمس يا سيدي... وأولته ظهرها هاربة من أمامه، وتطلع إلى النتيجة أمامه فاغر الفاه.. لقد تأخر بالفعل.. تأخر ليوم كـامـل.