الرجل الذي لم.......  

Posted by: محمد إبراهيم محروس


الرجل الذي لم ...
لا أعرف لماذا خرجت مبكرا ..شيء ما دفعني أن أترك شقتي اليوم قبل موعدي بساعات ، استقر بي الحال في تلك الحديقة التي أدمن الجلوس بها في أوقات الراحة والاستجمام ، راحت عيناي تجوبان الأفق وكأنها تبحث عن استقرار آخر خارج حدود روحي .
أخذت أتطلع من مجلسي إلى إشارة المرور بألوانها المميزة ، وأضع ترتيبا لحياة مع تغير ضوء الإشارة ..الأحمر ، نزقي وغروري بالحياة ، الأصفر.. لون أحبه ولا أعرفه جيدًا ، الأخضر.. الحديقة حولي واخضرارها ، لعبة أن تلعبها..
لمتى ستظل الإشارة أمامي حمراء ؟!
بعد مدة لاحقني فيها الشرود بإصرار ، تركت مكاني ، ورحت أسير على غير هدى ، لا أعرف لماذا ، أو إلى أين أمضي ، لتسوقني قدماي حيثما تبغيان ..
كنت أعبر الشارع شاردًا، وفجأة اصطدمت كتفي به، تمتمت بصوت هامس:" لا مؤاخذة "
كان يسير بصحبة زوجته، وطفلين..
وتحركت قدماي عندما جذبتني يده بعنف ،وهو يحدق في قائلا : - غير معقول ..أنت َ .. أين أنت يا رجل؟!.
حاولت أن أتذكر من هو، وأنا أرسم ابتسامة بلهاء على شفتي، فلم أفلح وأنا أقول: - موجود..
تركت له دفة الحديث وهو يقول: - زوجتي سهى..
قلت بهدوء وأنا أتطلع للون الإشارة:- أهلا وسهلا..
ابتلعت ريقي بصعوبة عندما اصطدمت عيناي بها ،وهي تمد يدها بالسلام ،قبل أن تخفض بصرها للأرض ، وهو يقول : عندي مريم ومحمد ..تزوجت؟.
بلعت سؤاله، وأنا أهزّ رأسي ولا أعرف هل فهم من هزة الرأس أنني متزوج أم لا..
قال وكأنه يعطيني تقريرًا مفصلا عن حياته:- عندي شركة في شرم الشيخ.. مقاولات ، سافرت سنتين ورجعت ، قابلت سهى ، وتزوجنا ..
لم أعرف بما أجيب أيضا ؛فاكتفيت بهزة الرأس ،وأنا ألمح بطرف عيني سهى زوجته ، كانت تختلف بالكامل عن سهى التي عرفتها زمان ، والتي ذقت من بين يديها أول معرفتي بالحب , كيف كانت علاقتنا أنا وهي ، ما زالت مطرقة الرأس ، وما زلتُ أنا شبه شارد خلف الطفلين والإشارة التي تتبدل كل دقيقتين ، أشعر أن الوقت قد توقف بي؛ لأتذكر ذلك الوهم اللذيذ ، والخدر الناعم للحب ، قبل أن أتصادم بواقع الحياة ، ربما وصلت مع سهى لأروع ما يكون الحب والعطاء ، لأغلى لحظات التمني والعشق ،إلى أجزاء في جسدها لم يصل إليها زوجها ..
شيء من الجنون أن أخرج مبكرا..
قال وهو يلاحظ نظراتي: مستعجل ؟..ما أخبار الشلة؟.
لم أعرف ما هي الشلة المقصودة بالضبط، فأنا دوما لم تكن لي صحبة ثابتة، دوما حياتي مجموعة من المتغيرات قلتُ هامسا:- لا أرى الكثير منهم..
قال في انتشاء وكأنه يريد أن أنقل حدثًا هامًا: سلم لي عليهم.. أرجوك ..
قلت محاولا الخروج من مأزق الوقوف: ضروري..
قال وهو يلمح زوجته تحاول بهز قدميها أن تقول له، كفي هذا: العربي فين حاليا..
قلت مسرعا دون تفكير : هاجر ..
- خسارة.. معك تليفون ..
- سرق مني كالعادة ..
- ها ها ها .. هذه نمرتي اكتبها..
رحت أفتش في جيبي بحثا عن ورقة وهو يناولني قلمًا ، وأنا أبتعد بعيني عن سهى قد الإمكان وبداخلي يرتجف .. وأخيرا لم أجد سوى علبة سجائري لأدون عليها رقمه، وهو يقول: ضروري تتصل.. منتظرك ..
هززت رأسي، وتقابلت يدي بيده في سلام، ثم بالمثل مع سهى، وداعبت شعر الصغيرين بيدي، وهما يسيران، وقتلني إحساس بالوحشة لا أدري من أين أتى, إحساس قاتل..انتبهت له وهو يركب سيارته الواقفة، وسهى تخفض من نظرها ساحبة الطفلين خلفها، لمحت أشارة المرور وهي تفتح.. أشعلت سيجارة ورحت أنفثها، والذكريات تمزق ملامح حياتي لذرات غبار.. الضوء الأخضر، والسيجارة المشتعلة بين أصابعي، وعلبة السجائر التي بين يدي، والتي انتبهت أنها أصبحت فارغة؛ فرميتها على الأرض، وأنا أحاول جاهدًا أن أتذكر من هو..

This entry was posted on 11:43 م . You can leave a response and follow any responses to this entry through the الاشتراك في: تعليقات الرسالة (Atom) .

9 التعليقات

حلوة يا معلمي وإن كنت مفهمتش العنوان :)

اهلا يا ابو حميد
عاش من شافك
العنوان الرجل الذي لم ...
وكمل النقط زي ما أنت عايز بقى لم تعرفة لم يعرفك
لم تقابله لم يقابلك
اي لم تعجبك كملها أنت بقى هههههه
شكرا لتشريفك يا جميل
خالص تحياتي

ممكن اعرف مغزي كلمة مليش دعوه كمل نصيحتك ومعروفك صديقي

شرفتنا بيها في جروب ضربة شمس بجد حلوة اوي وموفق دائما قلم مميز سلس يعبر عن تمكن من الالفاظ
اتمني ان تقبلني ضيف دائم علي مدونتك
ومستنيك

الرجل الذي لم يخرج متأخرا
عشان تعرف كل تأخيرة وفيها خيرة
ومكنشاتخبط في البني ادم ده ولا قابل سهى وقلبت عليه المواجع

حلوة القصة وتحياتي
;-)

شادي باشا اصلان
نورتنا يا جميل
والله سمعت عنك كتير
والناس كلها بتشكر فيك جدا
والجميل أوسكار ( محمد عادل ) قال فيك شعر تقريبا
يسعدتني تشريفك ومرورك
خالص مودتى
يا جميل
دمت بكل خير

اختي الغالية ايمي
نورت المدونة
سعيد جدا بمروك
دوما كلماتك تسعدني
شكرا لك
الف الف شكر
خالص تحياتي

جميلة جداااا.
لساني وعقلي يعجزان عن الاتيان بوصف اكثر روعة لقصصك.
أرجو الا تمل من تعليقاتي المتشابهة
فالتشابه عندك في روعة وجمال قلمك وعقلك

أسامة

الف شكر يا اسامة
تعيش يارب
خالص تحياتي
الف شكر كلماتك اسعدتني

إرسال تعليق