جبل الحكايات ..  

Posted by: محمد إبراهيم محروس





كانت تسكن في بحر الشمال حيث الموج يغرد تحت أضواء المدينة.

حالمة كطفلة برغم أن عمرها مائة عام..
تموت بين يديها كل يوم حكاية جديدة، برغم لمة الحكايات الممطوطة والمطولة، ولكنها أبدا لم يخدعها منظر الشروق، وبرغم مساحة الخلاء الممتد عبر السماء لفترة تتراوح فيها الأيام ما بين الألم والحنين ؛ظلت تبكي أميرها المسحور النابض في ظل أشجار بعيدة عكستها أمواج البحر عندما قامت جنية مزعومة بحقنه بمادة العشق ؛ليصبح مجرد ظل لشجرة تميل بجذعها على وادي الأشجار ..

ومع مرور الأيام أصبحت الحكمة المتداولة بين لسانها أن لكل حكاية نهاية إلا حكايتها عندما أصبح ظله فجأة يتمرد ويحاول أن يأخذ حيزًا له من الفراغ ماتت دمعة بين عينيها وهي تترسم ظله المجاهد للخروج من المصيدة..
كان انعكاس الظل على وجهها له بعد تاريخي.. حيث قال القائلون: إنها منذ غادرت منزلها منذ أعوام واختارت أن تستقر بجوار شط المياه.. تفصل العذب منه بالمالح بكفي يدها، كان يكفي الأطفال أن يجتمعوا حولها، ويطلبوا المياه.. البحر مالح.. والأطفال برغم صغر سنهم يعلمون.. ولكنها تمد يدها في البحر تغرف بكفيها وتهمس للماء بكلمات لا نعرفها، وتبدأ الهمسات تتزايد حولها، والماء لا ينضب من بين كفيها، بعد مدة وبزيادة عدد الأطفال الطالبين للماء بدأ جبل الملح يتكوم حولها.. وأخذ كل يوم في الازدياد.. حتى أصبحت يوما وجدت أن الجبل تخطى حدود العقل، وأصبح النظر إليه والوصول إلى نهايته مستحيلاً.. ومنع الظل المفروش لحبيبها أن يتمدد ليصل إليها، يومها فقط، قررت أن توقف عملية السقي.. أطفال البحر كانوا يهرعون إليها وفي عيونهم الأمل بشربة ماء.. فردت يدها أمامها وأرتهم مابين كفيها، ملح..
ملح .. ملح.الأطفال يهتفون.. ملح ..
الجدة العجوز يديها أصبحت تفرز الملح..
ظن أعيان بحر الشمال أن الأطفال يهرفون، وكلامهم مجرد هلاوس طفولية حمقاء..
قرروا أن يروا بأنفسهم.. ماتت الدموع في العيون وهم يرون يد الجدة مملوءة بالملح.. والجبل خلفها ممتد على امتداد البصر، ظل حبيبها لم يعد له وجود..
الجدة،صغار والكبار.. الجدة ، والظل ، وجبل الحكايات ..
والشجرة المائلة على بحر الشمال مخنوقة..
حاولوا أن يسقوا الجدة التي كفت عن الحكايات، ولكن بمجرد أن يصل الماء إلى شفتيها، تتشققان.. ويهبط الماء بين أيديهم.. لا سبيل سوى أن تموت الجدة، ويكف أطفال الشمال عن البحر، يكتفوا بحرقة شمس الظهيرة أمام الدور وبناء سور عال يمنع دخولهم للشاطئ، وتظل الجدة وحدها مع ظل حبيبها..ربّما يوما.. يوما ما تعود المياه كما كانت بين يديها.. الظل المجاهد للوصول من بحر الشمال راح يتمدد على طول جبل الملح، ولكن الجبل نفسه كان يرتفع كل يوم مئات الأمتار
حيث أصبحت الجدة لا تكف عن البكاء..
والأطفال يتساقطون، ويتساقطون.. صباحا كانوا يرحلون.. أهل بحر الشمال يرحلون.. الماء العذب لم يعد له وجود، والمالح يزداد ملوحة..
وظل يتسلق الجبل، وصباحا أصبح المكان على خواء..
وانهار جبل الملح على جدة تبكي..
وآخر المغادرين اقسموا إنهم رأوا ظلا يحاول أن يحفر بيديها جبلا من الملح..
ويحفر، ويحفر.. ولكن يديه كانتا مجرد انعكاس لخيال ظل.. تخرج بفراغ.. وتعود بفراغ..وجبل الملح لا يقل..

وبرغم مرور الزمن مازلت الأسطورة متداولة هناك خلف جبل الملح المنهار ظل لشبح يحاول الوصول إلى حبيبته المختفية تحت جبل الحكايات..

This entry was posted on 7:36 م . You can leave a response and follow any responses to this entry through the الاشتراك في: تعليقات الرسالة (Atom) .

3 التعليقات

قصة رائعة بكل تفاصيلها

لكن إسمح لي ساقول راي ارجو أن تتقبله
وهو خاص بمكان الأحداث وهو بحر الشمال فشمسه ليست حارقة وتكاد تكون باهته وممكن ان تكون الأحداث منطقية بعض الشيء لو كانت تدور في منطقة إستوائية

إنما ما يعول عليه هو أن القصة اسطورية وفي هذه الحالة يكون هناك تجاوز عن المنطقي والمقبول طالما قبلنا بمنطق الاسطورة

تحياتي لقلمك المبدع

الف شكر عزيزتي عارفة
مش عارف ليه
سعيد أن العمل راق لك
بحر الشمال أظن أنه مكان افتراضي في القصة
يعني مش مكان حقيقي
تحياتي لك عزيزتي
وخالص شكري
دمت بكل خير

العزيز جدا محمد ..
لا تسألني هناك شيئ ما في تلك القصة جعل جسدي يقشعر ..
جميلة يا محمد بجد ..
(مش عايزة اسمع تعليقات من نوع وجسمك قشعر من القصة ليه ؟؟
هي عليها عفريت مثلا وكده يعني)

إرسال تعليق