المرور بتأشيرة مزورة..
Postedالمرور بتأشيرة مزورة ...
لم تكن اللحظة كما نتوجها دائما بكلامنا أنها لحظة شبقة للتطور ، كل ما هنالك أن مزاعم القرية قد طالها النسيان ، فلم تعد القصص المنثورة على صفحات جباه رجالها تشغل أي أحد من ساكنيها ، بمجرد مرور الوقت وتأخر ظهور القمر لأيام ؛حتى دارت إشاعات غامضة مريبة أن هناك من يقدم القرية وبيده مفاتيح كنوزها المخبوءة منذ آلاف السنين في باطن جبلها .. عاد أحد شبابها المنزوي غريبا في القاهرة يقول إن هناك لجنة خاصة تم إنشاؤها لمراعاة ظروف القرية، وأن هناك شخصا ما سيزور القرية عما قريب.. من بيت لبيت وبخبطات أياد طفولية ، وبهمسات شفاه راحت تنتشر الأقاويل ..
في حينا المنزوي بعيدا عن أخبار الحياة والعاصمة ، جلست ، أشعل ركية النار ، ورحت ألقمها "قوالح " ذرة متيبسة ، لتزيد الجمرات من اشتعالها ، لم يكن لدي مبرر للجلوس في هذه الظلمة سوى انتظار ظهور القمر الذي اختفى لعدة أيام تحت عباءة مظلمة من التراكم الرمادي ..
بيد حالمة ، وبيد صغيرة ، راحت ابنتي تناولني المزيد من " القوالح ".. رصصت حجرا من المعسل ورحت أعبئ الجو بدخان أزرق بعد أن استخرجت من بين ملابسي قطعة " حشيش " أطعم بها حجر " الجوزة" بين فترة وأخرى ، لم أهتم حقيقة لاهتزاز رأس الصغيرة وتمايلها ، ولكني ربتت على وجهها ، وأنا أشير لها بأن تدخل لتكمل نومها ، أعتدت حكايات القرية ، وما يأتي أحيانا من هلاوس تجيء من بطون كتب صفراء تعود أهل بلدتي على توارثها ..
كل العبث أن يقطع أحد خلوتي الآن ليرمي في أذني أن هناك شخصية مهمة سوف تجيء لقريتنا قريبا ، وأنها ستنير الطريق أمام كل أبناء البلد ، لم أعتد الثقة بالكلمات والوعود المرتبطة بالمسئولين .. ولكنني أشرت لعبد الباسط خفير الدرك الذي أخبرني بالأمر أن يجلس، سند بندقيته بجانبه، وراح يتناول مني بوصة الغاب، لينفث دخانا أزرق من بين شفتيه ، وهو يترحم على عمدة البلد السابق الذي كان لا يخلو داره من أجود الأصناف، قال إن الصنف هذه الأيام مضروب.. وإن الحكومة تغش الصنف..
ضحكت لمقولته ، ولاتهامه الذي أظن أن معظمه باطلا ، ولكنه أقسم بمجيء المسئول الكبير ورأس العمدة السابق أنه كان يأخذ تموينه من الصنف من النقطة ، عندما علم العمدة أن له في الكيف ..
برغم أنني استغربت الأمر بعد الشيء، ولكنني أعتدت أن أقابل كلام أهل بلدتي بالإنصات، حاولت أن أتذكر متى ضربت أول نفسين من " الحشيش " في حياتي، ولكنني فشلت، وكأنما ولدت وأنا أدخنه..
تصاعدت الأدخنة ، ومع غياب القمر ، راحت رؤى مختلفة تثمر وتنمو بداخلي ، لتعطي شجرة وارفة من التخيلات ، منذ سنوات أيضا قالوا نفس مقولته عن زيارة رجل كبير للبلدة ، وقاموا بعد الدور وحصرها ، وتزين الطرقات وفرشها بالرمل ، ولكن الرجل الكبير لم يدخل البلدة من بابها الشرقي يومها ولا الغربي ، دخلها من حدود المحافظة ، ومن مكتب المحافظ نفسه أخذ مكافأة الزيارة وهنأ المحافظ على جمال بلدتنا وجمال شعور أهلها .. وعندما علمنا بهذا الأمر وزع حسن جاموسته التي ذبحها تيمنا بوصول الرجل الكبير على كلاب البلد وذئابها، وهو يلطم حظه العاثر بعدم قدوم الرجل.. من يومها تمر الوعود على قريتنا كمر السحاب، ولكنه سحاب مجدب غير ممطر..تظل الوعود وعودا، هكذا الحال..
وجدت نفسي منتشيا دون أن أعرف لماذا، زدت من ضحكاتي برغمي، طبطبت على كتف عبد الباسط الذي كان منتشيا بالمثل، وهمست له أن يعطيني بندقيته، ناولها لي في لامبالاة، نظرت إليها كثيرا قبل أن يقول هو: إنها قطعة خشب أتظن أنها بندقية حقيقية..الحكومة تمنعنا من الضرب بالرصاص..
ضحكت وأنا أقول : لماذا تحملها إذن ؟!
أجابني من وسط أسنان اصفرت:لأهش بها الذباب..أتريدني أن أمشي في البلد دون بندقية..