بيت على الطريق
Posted
البيت ، طرقاته تمتد أمامي ، ظل شجرة يرتمي على الأرض وكأنه يحفر ظلا آخر له ، صوت سكون ، ملامح لزمن مضى تفرش الممر الممتد من أول الحوش إلى آخر الوسعاية ، ملمح غريب يطفق في ذاكرتي ، ذكريات أيام خلت أو ما تزال في طريقها للرحيل ، نسمة باردة تداعب وجهي وأنا أدلف للداخل ، محملا بزخم من الذكريات ، البيت الذي رأى طفولتي ، وملامح شقاوتي ،وأول حب عذري ،وأول قبلة تحت هذه الشجرة التي تريد أن تنقض ، أخاف من صوت خطواتي التي تسحبني للتفكير، أي شيء آخر يجعلني أندهش غير الخلاء والخواء الممتد عبر ردهات وشرفات البيت ، وكأنه لفظ أحياءه ليعيشوا هوس الحياة بعيدا عنه ، غادرته وأنا متلمس خطوات النجاة مسافرا ، لم يغب عن ذاكرتي قط ، ولم تغب ذاكرتي عنه .. أدخل، أرى الصالة أمامي ، مغطاة بسحب من التراب ،أفتح الشباك فتتسلل نتف بسيطة من ألق الصباح ، أرى حبيبات كالرمل تدخل حاملة معها ضوءًا خفيفًا ، أقف هناك في وسط الصالة ، ألمح صورتها المعلقة ، أقترب أجد بجانبها شخصيات عديدة ، أنا ، وهي وأبي وجدي ، وإطار يحددنا ، أتذكر شكل المصور وهو يلتقط الصورة وفرحة جدي بتكبيرها ، أتذكر ضحكة أبي المتكلفة يومها ، عندما غطس الرجل برأسه أسفل قطعة من القماش ، تشبه ملاءة سوداء ممزقة ، ضحكة ، ياللا ، خلاص .. ثلاث كلمات، وانتقلنا إلى خانة صورة في إطار، أقرب الصورة من بين يدي، وأخلعها من على الحائط.. أتذكر مجيئي الآن وسببه، إنها الصورة.. وأخذت عيناي تلحان بالدموع علي ، وأنا أهمس لنفسي ، بيت ،مجرد بيت ، بينما يتمثل لي جدي ضاحكا : خد كل تفاح ..
أعود لأغلق باب البيت، وأنا أحمل صورة لهم جميعا، وأنا بينهم، والآن علي أن أكبرها وأضعها في شقتي الجديدة، ربما تجلب لي الذكريات...