رؤية تحليلية لأحلام نارية
Postedرؤية تحليلية لأحلام نارية...
تمهيد
رواية" أحلام نارية" للكاتب:(محمد إبراهيم محروس)
هذه الرواية التي عند قرائتها كنت أشعر كمن انتهى لتوه من الركض لمسافة طويلة،فلم يتوقف تأثير العنوان على الأحداث والمضمون فقط، بل تعداه إلى إيصال شعور التوهج إلى القارئ نفسه.
له العديد من الأعمال الأدبية منها:رواية الخيال العلمي"من أجل الارض"
ورواية" لص الفضاء".
وله أيضاً العديد من القصص القصيرة المنشورة في المجلات والجرائد المحلية
وقد فاز بجوائز أدبية على بعض القصص التي دخلت المسابقات الأدبية الشبابية.
...........
قترب "أحلام نارية" من "النوفيلا" كشكل سردي-وهي(أطول من القصة القصيرة وأقصر من الرواية الطويلة).
تأتي أحلام نارية في شكل الروايات الحديثة المعاصرة من حيث بدايتها التي تدمج القارئ مباشرة في حياة البطل ليتم الانتقال في علاقة تبادلية بين واقع البطل المعاش وماضيه الذي يظهر لنا في شكل مذكرات متقطعة ،هذا الماضي الذي رسم له الحاضر.
"أحلام نارية" من الأعمال الأدبية التي تصلح لكل زمان فحلم الهجرة هاجس يراود الكثيرين منذ زمن بعيد حتى يومنا هذا إلا أنه مع تغيير الثقافات أصبح يتخذ منحاً جدياً يرتبط بثقافة المجتمع السائدة التي تؤصل لدى أفراد الجماعة أن حلم الهجرة هو تحقيق لكل الأحلام وأولها الحرية المفقودة في المجتمعات الشرقية ،وقد انقسمت الرواية إلى جزئين مذكرات وتحوي أحاديث البطل عن ماضيه، وحاضره المعاش الذي كان نتاج هذا الماضي .
وتجدر الإشارة هنا إلى أنني لم أعتمد في دراستي التحليلية "لأحلام نارية" على مدرسة محددة في البحث والنقد،ولم أهتم بتحليل جانب واحد فقط ،كما حاولت تجنب فصل الكل عن الجزء وراعيت النظر إلى الجزء باعتباره مكون للكل والنظر للكل على أنه مجموع أجزاء النص مجتمعة.
لذا فقد تداخلت المدرسة الواقعية على الرمزية على النفسية في دراسة النص كما اعتمدتُ على ذاتية القارئ إيماناً مني بأهميتها ولم أحاول تغليب مدرسة نقدية على أخرى لأن ذلك من شأنه أن يخفي جوانب إيجابية في النص. كما أن الكاتب كان متنوعاً ولم يقيد نفسه فيجب علي مسايرة تنوعه فليست دراستي لصبغ العمل بألوان باهتة وطمس الصورة وإنما لزيادة ايضاحها.
مقدمة أساسية:
تمتاز "أحلام نارية" بالطابع العصري ولا تفرض على القارئ ثقافة غير عادية بل هي تخاطب الفئات على اختلافها وهذا جعلها سهلة للغاية لم تتعمق بشكل كاف فيما أراه هاماً لإثرائها كأهمية التعمق أكثر في العنصر الاجتماعي في تقوية فكرة الهجرة ونظرة المجتمع لها كشئ خيالي يجلب السعادة والحرية وكان تناول العنصر الإجتماعي المؤثرفي رواية تحمل هذه القضية بسيطاً وسطحياً(هذا على اعتبارأنه تم تناولها بقوة أكبر من كتاب آخرين) وتتمثل في شعور الشباب بالاضطهاد الذي يشعرون به في مجتمعاتهم.
أيضا لم تأتِ الرواية على ذكر مساوئ الهجرة القوية التي لا ينجو منها أي مهاجر كالتغريب وأزمة الهوية .
كما يلاحظ القارئ أن الرواية تسير في شكل تبادلي بين استرجاع الماضي وربطه بالحاضر إذ يظهر جلياً أن الأحداث الواقعة للبطل والتي خاض غمارها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بماضيه.
العنوان:
يعتبر العنوان عنصر أساسي وهام لأي عمل فني حيث إنه الواجهة الخارجية والمفتاح الأساسي لفهم العمل وشد انتباه القارئ وإثارة فضوله ، وينقسم العنوان إلى قسمين :
عنوان مباشر الدلالة يعبر بوضوح عن النص،
وعنوان موحي تفهمه بعد قرائتك للعمل وهو يتميز باتساعه وغالبا ما يكون عبارة عن كلمات موحية ومعاني بلاغية...
العنوان "أحلام نارية" كمكون للنص يتمحور في قالب الرمزية ،تلك الرمزية التي كانت القالب الأساسي للرواية,وهو عنوان يجمع بين الوضوح والتورية ولا يخلو ذهن القارئ من تساؤل حول عنوان النص قبل القراءة،هذا التساؤل الذي يدل على نجاح عنصر الجذب.
وهنا نجد التشابه الكبير بين شخصيات هذا العمل الأدبي من حيث حالة اللهاث المحموم حول تحقيق الأحلام والبحث عن شيئ ينقصها تلك الأحلام التي تراود جميع الشخصيات الأساسية منها والثانوية ويسعون لتحقيقها رغم الصعوبات الكبيرة التي تواجههم.في سيبل تحقيق الأحلام.....وحلم الهجرة الذي حلمه البطل وأنه سينال حريته خارج هذا الوطن ،ذاك الحلم الذي اكتوى بناره . من هنا استمد العنوان شرعيته.
مضمون الرواية:
"أحلام نارية" عمل أدبي يندرج تحت فئة الأعمال الإجتماعية فهي تنصب حول فكر الشباب الذي يتخيل أن الجنة والثراء والحرية المطلقة في الهجرة للخارج وبالذات في البلدان الأوروبية وهو لا يعلم أنه قبل أن يوافق على قرار الهجرة هو بذلك يوافق على التخلي عن الكثير من الأمور منها أدميته(عمل البطل الذي حوله من إنسان لألة)وكرامته ومبادئه.
كما نلمس أن الرواية تعرضت للأفكار الخاطئة التي يبثها المجتمع في أبنائه والمتمثلة بأن النعيم دائماً في الهجرة، وهنا يقول البطل(لم أشعر يوماً أن هناك فقراً في العالم سوى في بلدتي) هنا يكتشف أن هذا النعيم الذي كان يتصوره في بلاد المهجر لم يكن سوى صور زائفة وأن الحقيقة الجلية أن أي بلد له من المساوئ ما يتمنى كل شخص لو يتحمل مساؤئ بلده على تحمله مساؤئ بلد أخرلا تربطه به عاطفة الوطنية والحب والإخلاص للوطن.
أيضاً مقولة البطل حينما كان يناجي صديقه(الغربة تقتل ياحارون تقتل!) هذا الحلم الذي مُت من أجله يا "إبراهيم" في سبيل تحقيقه كان حلم الغربة!! تلك الغربة التي تقضي على حلاوة تحقيق الأحلام،لقد قتلت الغربة روحي وأحلامي ،تلك الأحلام التي ضحيت بحياتك لكي توصلني إليها، لقد توهمنا!، إنها ليست أكثر من مجرد موت بطئ في أرض ليست أرضنا.
أنت مت مرة واحدة يا" إبراهيم" أما أنا فقتلت عدة مرات ،حينما فقدتك ..وكنت أرى الرفاق يتساقطون الواحد تلو الأخر،وحينما وجدت أن الحلم الذي وهبتنا حياتك لأجله لم يكن سوى سراب وكنت أموت كل يوم ومع مشرق الشمس وغروبها....إنها مرارة الغربة وقسوتها التي لا ترحم.
وتتطرق الرواية بشكل غير مباشر للمقارنة بين الثنائي_الوطن والمهجر_تلك المقارنة البسيطة التي أظهرت في آخر الأمر أن الغلبة للوطن مهما كان سيئاً لأنه في الحقيقة ليس بهذا السوء الذي يراه الشباب في الداخل والذي يظهر جلياً لهم حينما يخوضوا تجربة الهجرة.
كما يرسم لنا الكاتب الحالة الشعورية السائدة للمهجرين من حيث شعور الوحدة الذي يلازمهم وأن أي علاقة مهما حاولوا إقامتها يكتشفوا أن للعلاقات الإنسانية معاني مختلفة تماماً عن تلك التي تعودوا عليها في بلدهم الشرقي فيظهر لنا أنه رغم العلاقة الحميمة التي تربط البطل بمختلف الشخصيات إلا أن القارئ يلمس علاقة متناقضة من الخديعة وعدم الأمان لمشاعر الأخر.
كما يتضح لنا أن تلك الوحدة التي شعر بها البطل جعلته يظل فترة طويلة يعيش بعقل وقلب أحلام أخرين حتى ذكريات وألآم أخرين كأنما تاهت عنه نفسه وتخلى عنها بمجرد ابتعاده عن وطنه والتي لم تعد له إلامع اكتشافه الوهم الذي كان يعيش فيه.
نأتي إلى نقطة أراها أضعفت العمل الفني قليلاً وهي من وجهة نظري كانت تحتاج إلى مزيد من الإهتمام ليس لأنها روح العمل الفني ولُبه فقط بل لأن العقدة الأساسية كانت في ذلك الجزء واكتملت بها عناصر الرواية ، أتحدث هنا عن الجزء البوليسي في الرواية فقد تميز ببساطة شديدة وهو ليس من صفاته الفنية بالطبع إذ أن فن كتابة المشاهد البوليسية تتميز بكثير من الإثارة وبعض الغموض الازم للمشهد، صحيح أن الرواية اجتماعية إلا أن الكاتب وضع عقدة المشكلة وتطور الصراع والحل الناجم عنه في هذا الجزء،ومع أنه احتل مكانة هامة في البنية القصصية من حيث تسلسل الأحداث وأهميتها إلا أن الكاتب أهمل الإعتناء به.
الرمزية في النص:
احتلت الرمزية في النص الأدبي جانباً هاماً وقد أحسن الكاتب استغلاله وذلك نظراً لأهمية الرمزية بالعمل الفني لما له من قدرة كبيرة في إيصال المعاني الخفية،فلم يسرف الكاتب وقتة في ثرثرة سردية وحشو النص بل طوع الرمز في أحسن ما يكون لإيصال المعنى المراد إيصاله.
يعتمد النص على الكثير من الرموز سواء في أسماء الشخصيات ذات المدلول أو من خلال النص،وأقوى هذه الرموز كان رمز "المترو".
"المترو":
فهو باعتباره شكل من أشكال القطار رمز يستخدم للدلالة على حياة الإنسان السائرة بلا توقف . في تلك الحياة التي يقابل فيها أشخاص ويفارقهم ،لقد جسد لنا جميع متناقضات الحياة من اللقى والفراق والسعي وراء الأحلام وضياعها والموت والحياة والخير والشر في تلك الحياة التي تتبدل فيها الوجوه والمشاعر والشعور بالألم والمرض.
في المترو يشعر البطل بتحوله من الآلة التي تعمل في المصنع إلى إنسان يشعر ويتألم مع الأخرين.
"ميراث الأجداد":
ويعتبر من الرموز القوية ذات المدلول التي احتوى عليها النص الأدبي فلم يكن مجرد تسمية بل كان وصف ذا ايحاء عميق هذا الميراث الذي أشعر البطل بأنه ما زال ينتمي إلى أجداد لهم ميراث قوي، هذا الميراث الذي ورثه له صديقه في طريقهم لتحقيق الحلم وقد كان رفيق البطل الروحي في سعيه للقضاء على الشر.
أيضاً من الرموز القوية إختيار الكاتب لعمل البطل فهو ذا مدلول يبين لنا من خلاله أن هؤلاء الشباب الذين يتوهمون المجد والثروة تلك الأشياء ليست رخيصة الثمن أو سهلة المنال ويتضح لهم فيما بعد أنهم لن يحصلوا على أي شيئ وأنهم يتحولون لمجرد الآت وتروس صغيرة في الآلة الأوروبية الكبيرة يساهمون من خلالها في ازدهار ونماء البلد على حساب أدميتهم وكرامتهم.
لقد تاه منه الحلم أثناء مراقبته الدائمة لتلك القطع الإلكترونية الصغيرة التي تمر من أمامه، ليس هذا فقط بل إنه لم ينل ولو جزء بسيط من الحرية التي تمناها ، إنتفت في عمل يفرض قيود تلغي النمو العقلي والتقدم والإبداع.....
شخوص الرواية:
(الرجل)
وهو المحور الرئيس في الرواية حيث يحظى بدور لافت والشخصيات الرئيسية هي:
فؤاد:
البطل، وهو الشخصية المحورية الأساسية،شاب حلم بالهجرة وسعى لتحقيق حلمه،ينقلنا معه بين ماضيه وحاضره،ومفترق الطرق الذي وجد نفسه فيه حينما دخل منير الطاغوتي حياته،وهو الذي اكتشف بعد فوات الأوان أن أصدقائه الذين أحبهم ما هم إلا أناس يحققون مصالحهم صعوداً على أكتاف الأخرين.
شخصية البطل وضعها الكاتب في قالب من البساطة ولم تتغير صبغته الشرقية حتى مع الإغتراب،ومن صفاته التذمر من كل شيئ في حياته، حيث لا شيئ يريحه كما لديه نوع من الامبالاه يظهر في سماته الشخصية،ولكن مع تطور الأحداث وظهور الأزمات تختفي الامبالاة ويتحول هذا الحمل الوديع والشاب المتذمر إلى قوة تقف في وجه الشر بكل قسوة حينما يوقع بالطاغوتي وشبكته.
له علاقات نسائية متعددة بدأً"بسميرة"في مصر و"سلوى"في أول سنوات غربته إلى"جرمين".
من هذه العلاقات يظهر لنا أن البطل لم يحقق نجاحاً في علاقاته النسائية على الصعيد العاطفي ،وعلى الرغم من تواجدها في حياته إلا أنه لم يتأثر بتلك العلاقات كثيراً...رغم محاولة الطاغوتي إدخال اسم سلوى كعنصر ضاغط ليوافق على الصفقة،ولكن الحقيقة أن سلوى كانت الدافعة الأخيرة فحتى لو لم تكون هي في الصفقه لأتمها لقوة تاثير المال الذي يغلب على أي مشاعر أخرى.
إبراهيم حارون:
صديق البطل ويعتبر المحرك الداخلي له
وهذه الشخصية كنا نراها حينما كان يناجي البطل نفسه ويهرب إليه من قسوة الحياة ومرارة الغربة ،ورغم أن دوره في القصة كان ثانوياً إلا أنني أعتبره من الدعائم الأساسية وقد حرص الكاتب على إسقاط كثيراً من السمات النفسية على هذه الشخصية....فهو فورة الشباب التي حركت فكرة الهجرة وكان المخطِط لرحلة الهروب وكان المرجع النفسي والملاذ للبطل،كما أنه من حمل ميراث الأجداد وورثه للبطل.
الطاغوتي:
وهو إحدى الشخصيات الهامة وقد تمكن الكاتب من تحريكها بذكاء.والتناقض كمكون رئيس في هذه الشخصية قد أثراها ذلك الاختلاف الذي يجعلك في تساؤل دائماً عن أن مهما حاول الانسان أن يخرج عن جلده ويتغير إلا أنه لابد لنزعته الأصلية من الظهور ذلك الطاغوتي الذي يسبح في خموره ووسط طغيانه وبطشه وتجارته التي لم يترك شيئا إلا وتاجر به ومع ذلك لم يمنعه من الوقوع في "سذاجة"والتي لا يفترض أن يقع فيها تاجر محنك مثله بأن منح ثقته للذي يراه الجميع حملاً وديعاً وانخدع بسهولة لمظهره.
وهذه الشخصية يطلق عليها فنياً الشخصية المساعدة
وهي تشارك في نمو الحدث القصصي، وبلورة معناه والإسهام في تصوير الحدث.
ومع أن وظيفتها أقل قيمة من وظيفة الشخصية الرئيسية،
إلا أنها تقوم بأدوار مصيرية أحياناً في حياة الشخصية الرئيسية.*
جريستي:
مسيحي وصاحب مطعم بالقرب من المصنع"محل عمل البطل"أسلم نتيجة حبه لفتاة مسلمة
نوع مختلف من الشخصيات التي تقابلها في البلاد الغربية
ورغم قلة ظهورهذه الشخصية إلا أنه من أكثر الشخصيات الثانوية ثاثيراً،فقد امتازت بتأثيرها الحاسم وشعرت بأن الكاتب قد ركز في هذه الشخصية لتمثل الحكمة"خير الكلام ما قل ودل"وكان حديث هذه الشخصية مؤثراً وفي الصميم...مع إضفاء مسحة من الكوميديا وخفة الظل على هذه الشخصية.
ومن المواقف واضحة الرمزية عميقة التأثير..إسلام جريستي واختياره لإسم "إبراهيم"
نأتي لنقطة أخرى وهي جعلتني أتوقف كثيراً عندها وتتعلق بشخصية اليوناني" جرستينى"كنت عندما أصل إلى الجزء الذي ينقلنا فيه الراوي للحديث مع هذه الشخصية كنت أبطئ القراءة حتى إنني أتوقف ...هذا الجزء الذي يعطي للرواية بعداً أكثر اتساعاً ومعنى أكثر ثراء حيث تجد دائماً في الحوار بين البطل وشخصية"جرستيني"معان خفية.
وهذه الشخصية تسمى بالشخصية النامية
وهي التي تتطور من موقف إلى موقف- بحسب تطور الأحداث،
ولا يكتمل تكوينها حتى تكتمل الرواية، بحيث تتكشف ملامحها شيئاً، فشيئاً
وتتطور تدريجياً خلال تطور الرواية وتأثير الأحداث فيها. *
علاء--رأفت:
علاء سوري الأب ،رأفت فلسطيني
الإثنان تعرفا على فؤاد شعرت بأن تأثير هاتين الشخصيتين متقارب لولا أن الكاتب ميزكلاً منهما ببعض الصفات الرمزية كعدم ثقة أي أحد برأفت وهذه الفروقات البسيطة أنقذت الكاتب من الوقوع في التكرار.
-------------
(المرأة):
لم يكن لها ذلك التأثير الذي عهدناه من المرأه فلم ترسم هي حياة الأبطال وتحركها ولم تلعب أدواراً محورية،وكان حضورها شبيه بضيف الشرف.
جرمين:
فتاة أوروبية من أصل يوناني تركي،وقد قال عنها البطل:"إن أي شاب مغترب يبحث عن فتاة أوروبية يحبها وقد كانت جرمين"
وقد ظهرت جرمين بعد أن تركته سلوى فكانت هي المهرب العاطفي.
ورغم أني لم أستسيغ وصف الكاتب للشخصية حيث كان أقرب إلى القبح منه إلى الجمال الأوروبي الذي يفترض بالشباب العربي البحث عنه في فتياتهم
إلا أن صفات الشخصية التي أسقطت عليها ودورها في الرواية أدته بتفوق.
سلوى:
أراد الكاتب وضع الشخصية "سلوى" في قالب الوطنية وأن تكون هيا المحرك العاطفي للبطل والرئيس للقبول بمساعدتهم...
شعرت بأن هذه الشخصية ينقصها شيئ ما لتكتمل.
هذه بعض الشخصيات الهامة والمذكورة في الرواية وهي تحتوي على شخوص أخرين وبرغم تعدد الشخصيات لم نجد شخصية نسخت الأخرى.
الحالة النفسية للشخصيات:
1 الخوف:
لايوجد وإن كان غريباً بعض الشيئ على شباب في الغربة حيث يسود على مثل هؤلاء الخوف على لقمة العيش التي ضحوا في سبيل الوصول إليها والخوف من العودة مرة أخرى إلى البلد الأم رمز القهر والظلم .
2 القلق:
هذا المكون النفسي يعتري معظم شخصيات الرواية الأساسية والثانوية في محاولتهم للوصول إلى ما يريدون..ويظهر في لهاثهم المحموم وراء ما يبتغون وقلقهم من عدم تحقيق ما يصبون اليه
3 الاغتراب:
وهو مكون تواجَد لدى كل الشخصيات الأساسية والثانوية الكل يعيش في غربة وطن أو غربة روح"مثل جريستي"الذي كان حائراً حتى أسلم وتزوج ليلى ،أو ضياع هوية
لكن الغربة الغالبة هي غربة الوطن.
4 السخط وعدم الرضا:
وهذا المكون نلحظه بوضوح في شخصية البطل وظهر واضحاً في اللازمة التي تكررت على لسانه وهي كلمة"اللعنة"فلاشيئ يعجبه وغير مرتاح حتى علاقته بأصدقائه ساخط عليها وحياته في الغربة التي حارب من أجل الوصول إليها ساخط عليها. أيضا ساخط من استيقاظه باكراً والجو البارد دائماً ،وعمله غير راضي عنه حتى عاداته الخاصة متذمر منها.
البنية الفنية:
الأساليب الأدبية في الرواية :
استخدم الكاتب عدة أساليب أدبية ضمنها نصه الفني فالأسلوب السردي الذي استخدمة لبناء نسيجة الفني تخلله عدة أساليب مثل أسلوب اندماج الواقع بالماضي عن طريق استخدامه للتقنية السينمائية"الفلاش باك ،مثال قول فؤاد"تذكرتُ الحفلة وتذكرت الطاغوتى بغتة بهيئته الرهيبة"وتنقطع لتعود مرة ثم يرجع بذاكرته إلى أن يعيده صوت المتصل إلى الواقع مرة أخرى "جاء صوت رأفت؛ ليعيدني إلى الواقع مرة أخرى وهو يقول:- لم سكتَ ؟!..أنت السبب ولست أنا..أنتَ أحمق."وأيضا في اللحظات التي كان يعود فيها بذاكرته ليتذكر أحداث مرت مع صديقه "إبراهيم حارون".
استخدم أسلوب خلط الحوار بالمناجاة وهذا المزج يظهر في مناجاته لصديقه حاورن.
اللغة:
الغة سهلة وراقية، تحمل دلالات لغوية ولكن في ذات الوقت يقدر القارئ العادي على فهمها، فلا يتعب في قرأتها أولاً، ويستطيع فهمها ثانياً،
والجمل رشيقة تميل إلى القصر..
الحوار:
الحوار هو تبادل الحديث بين الشخصيات في العمل الأدبي ومن وظائفه بعث الحيوية في الشخصية، ومن شروطه أن يكون مناسباً،
وموافقاً للشخصية التي يصدر عنها، إذ لا يعقل أن يورد الكاتب حواراً فلسفياً، عميقاً على لسان شخصية أمية، غير مثقفة ،كما أنه يخفف من رتابة السرد الطويل،
والذي قد يكون مبعثاً للسأم والملل، وبتدخل الحوار الخفيف السريع يقترب النص من لغة الواقع أكثر.*
الحدث:
وهو أهم ركن في البنية الفنيه للرواية ففيه تنمو المواقف، وتتحرك الشخصيات، وهو الموضوع الذي تدور القصة حوله
وأهم العناصر التي يجب توفيرها في الحدث القصصي هو عنصر التشويق،
وفائدة هذا العنصر تكمن في إثارة اهتمام المتلقي وشده من بداية العمل القصصي إلى نهايته وبه تسري في القصة الروح والقوى المحركة والعاطفة.
ولقد ذكرتُ سابقاً أن هناك نوعاً من الخلل في عنصر التشويق لكنه لم ينتفى والديناميكية فيه واضحة وأُجحِف لو قلت بأن التشويق غير موجود .
طريقة البناء الفني:الاستايل الروائي:
استخدم الكاتب الطريقة الحديثة وفيها يشرع القاص بعرض حدث قصته من لحظة التأزم، أو كما يسميها بعضهم"العقدة"،
ثم يعود إلى الماضي أو إلى الخلف ليروي بداية حدث قصته. مستعيناً في ذلك ببعض الفنيات والأساليب كتيار اللاشعور والمناجاة والذكريات.
الزمان والمكان:
أولا المكان:
-----------
حيز المكان في الرواية كان واسعاً
فتدور أحداث الرواية في ايطاليا لكنها مكان مفتوح على أمكنة داخلية أخرى منها{ميلانو-نابولي-سيسيليا}وخارجية منها لبنان ويتم الربط بين هذه الأمكنة بواسطة الأشخاص.
توضيح بعض العلاقات الثنائية بين المكان(الداخل\الخارج)،هنا وهناك
هذا الداخل"هنا"رمز للمضايقة والقهر والإنغلاق ويمثل "الهُنا"تلك الصفات في البلد الأم فالشخصيات المعنية بذلك ومنها البطل كان البلد الأم في نظرهم رمز لكل الشرور وسرقة الأحلام بينما "هناك"الخارج(بلاد الغرب)حيث الهجرة فهي رمز الإنفتاحية والتحرر وسقوط القيود،وبما أن هنا لن تتحقق أحلامي فهناك ستتحقق
ثانيا الزمان:
------------
كان يضيق ويتسع واتخذ جميع أشكاله وأوقاته من ليل ونهار ماضي وحاضر .
النهاية (لحظة التنوير):
وهي مهمة لاكتمال ترابط عناصر العمل الفني فكما هناك بداية لابد وأن تكون نهاية وفيها يتحدد مصير الشخصيات ونهاية الصراع الذي نشأ بينها
بالنسبة لنهاية رواية "أحلام نارية"ففيها اقترب الكاتب من الواقعية الحقيقية،-والواقعية هامة فلا يستحب تلك النهايات غير المتوقعة أو المفاجأة بصورة تربك القارئ وتكون كجسم غريب أُلصِق بالعمل الفني – فلحظة النتوير التي وصلت إليها الشخصية الرئيسية ومصير الطاغوتي وباقي الشخصيات كانت هي النهاية .
وأيضا جو الحزن الذي سيطر على رواد المترو أغلق أحداث الرواية برماد النار التي اشتعلت في البداية.
كلمة أخيرة:
أمل أن أكون قد وفقت في ايصال الصورة الحقيقية للقارئ بشكل يساعد على إيضاح أكثرلما أراد الكاتب ايصاله ايماناً مني بأن الناقد الجيد مفعوله مثل الألوان في لوحة فنية يضفي للعمل الأدبي جمالاً ورونقاً يجذب القارئ إليه أكثر ويكشف أي غموض لم يستطيع الكاتب توصيله(رغم أن هذه الرواية تمتاز بالبساطة والوضوح) كما أن عليه أن يبين مواطن الضعف بما لا يتعارض وجمال العمل الفني بل يزيد من اظهار الجماليات لجذب القارئ المثقف والعادي .
* من كتاب تطوّر البنية الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة.
1947 ــ 1985
قراءة نقدية:
#شيماء طه النمر#
رواية" أحلام نارية" للكاتب:(محمد إبراهيم محروس)
هذه الرواية التي عند قرائتها كنت أشعر كمن انتهى لتوه من الركض لمسافة طويلة،فلم يتوقف تأثير العنوان على الأحداث والمضمون فقط، بل تعداه إلى إيصال شعور التوهج إلى القارئ نفسه.
له العديد من الأعمال الأدبية منها:رواية الخيال العلمي"من أجل الارض"
ورواية" لص الفضاء".
وله أيضاً العديد من القصص القصيرة المنشورة في المجلات والجرائد المحلية
وقد فاز بجوائز أدبية على بعض القصص التي دخلت المسابقات الأدبية الشبابية.
...........
قترب "أحلام نارية" من "النوفيلا" كشكل سردي-وهي(أطول من القصة القصيرة وأقصر من الرواية الطويلة).
تأتي أحلام نارية في شكل الروايات الحديثة المعاصرة من حيث بدايتها التي تدمج القارئ مباشرة في حياة البطل ليتم الانتقال في علاقة تبادلية بين واقع البطل المعاش وماضيه الذي يظهر لنا في شكل مذكرات متقطعة ،هذا الماضي الذي رسم له الحاضر.
"أحلام نارية" من الأعمال الأدبية التي تصلح لكل زمان فحلم الهجرة هاجس يراود الكثيرين منذ زمن بعيد حتى يومنا هذا إلا أنه مع تغيير الثقافات أصبح يتخذ منحاً جدياً يرتبط بثقافة المجتمع السائدة التي تؤصل لدى أفراد الجماعة أن حلم الهجرة هو تحقيق لكل الأحلام وأولها الحرية المفقودة في المجتمعات الشرقية ،وقد انقسمت الرواية إلى جزئين مذكرات وتحوي أحاديث البطل عن ماضيه، وحاضره المعاش الذي كان نتاج هذا الماضي .
وتجدر الإشارة هنا إلى أنني لم أعتمد في دراستي التحليلية "لأحلام نارية" على مدرسة محددة في البحث والنقد،ولم أهتم بتحليل جانب واحد فقط ،كما حاولت تجنب فصل الكل عن الجزء وراعيت النظر إلى الجزء باعتباره مكون للكل والنظر للكل على أنه مجموع أجزاء النص مجتمعة.
لذا فقد تداخلت المدرسة الواقعية على الرمزية على النفسية في دراسة النص كما اعتمدتُ على ذاتية القارئ إيماناً مني بأهميتها ولم أحاول تغليب مدرسة نقدية على أخرى لأن ذلك من شأنه أن يخفي جوانب إيجابية في النص. كما أن الكاتب كان متنوعاً ولم يقيد نفسه فيجب علي مسايرة تنوعه فليست دراستي لصبغ العمل بألوان باهتة وطمس الصورة وإنما لزيادة ايضاحها.
مقدمة أساسية:
تمتاز "أحلام نارية" بالطابع العصري ولا تفرض على القارئ ثقافة غير عادية بل هي تخاطب الفئات على اختلافها وهذا جعلها سهلة للغاية لم تتعمق بشكل كاف فيما أراه هاماً لإثرائها كأهمية التعمق أكثر في العنصر الاجتماعي في تقوية فكرة الهجرة ونظرة المجتمع لها كشئ خيالي يجلب السعادة والحرية وكان تناول العنصر الإجتماعي المؤثرفي رواية تحمل هذه القضية بسيطاً وسطحياً(هذا على اعتبارأنه تم تناولها بقوة أكبر من كتاب آخرين) وتتمثل في شعور الشباب بالاضطهاد الذي يشعرون به في مجتمعاتهم.
أيضا لم تأتِ الرواية على ذكر مساوئ الهجرة القوية التي لا ينجو منها أي مهاجر كالتغريب وأزمة الهوية .
كما يلاحظ القارئ أن الرواية تسير في شكل تبادلي بين استرجاع الماضي وربطه بالحاضر إذ يظهر جلياً أن الأحداث الواقعة للبطل والتي خاض غمارها ترتبط ارتباطاً وثيقاً بماضيه.
العنوان:
يعتبر العنوان عنصر أساسي وهام لأي عمل فني حيث إنه الواجهة الخارجية والمفتاح الأساسي لفهم العمل وشد انتباه القارئ وإثارة فضوله ، وينقسم العنوان إلى قسمين :
عنوان مباشر الدلالة يعبر بوضوح عن النص،
وعنوان موحي تفهمه بعد قرائتك للعمل وهو يتميز باتساعه وغالبا ما يكون عبارة عن كلمات موحية ومعاني بلاغية...
العنوان "أحلام نارية" كمكون للنص يتمحور في قالب الرمزية ،تلك الرمزية التي كانت القالب الأساسي للرواية,وهو عنوان يجمع بين الوضوح والتورية ولا يخلو ذهن القارئ من تساؤل حول عنوان النص قبل القراءة،هذا التساؤل الذي يدل على نجاح عنصر الجذب.
وهنا نجد التشابه الكبير بين شخصيات هذا العمل الأدبي من حيث حالة اللهاث المحموم حول تحقيق الأحلام والبحث عن شيئ ينقصها تلك الأحلام التي تراود جميع الشخصيات الأساسية منها والثانوية ويسعون لتحقيقها رغم الصعوبات الكبيرة التي تواجههم.في سيبل تحقيق الأحلام.....وحلم الهجرة الذي حلمه البطل وأنه سينال حريته خارج هذا الوطن ،ذاك الحلم الذي اكتوى بناره . من هنا استمد العنوان شرعيته.
مضمون الرواية:
"أحلام نارية" عمل أدبي يندرج تحت فئة الأعمال الإجتماعية فهي تنصب حول فكر الشباب الذي يتخيل أن الجنة والثراء والحرية المطلقة في الهجرة للخارج وبالذات في البلدان الأوروبية وهو لا يعلم أنه قبل أن يوافق على قرار الهجرة هو بذلك يوافق على التخلي عن الكثير من الأمور منها أدميته(عمل البطل الذي حوله من إنسان لألة)وكرامته ومبادئه.
كما نلمس أن الرواية تعرضت للأفكار الخاطئة التي يبثها المجتمع في أبنائه والمتمثلة بأن النعيم دائماً في الهجرة، وهنا يقول البطل(لم أشعر يوماً أن هناك فقراً في العالم سوى في بلدتي) هنا يكتشف أن هذا النعيم الذي كان يتصوره في بلاد المهجر لم يكن سوى صور زائفة وأن الحقيقة الجلية أن أي بلد له من المساوئ ما يتمنى كل شخص لو يتحمل مساؤئ بلده على تحمله مساؤئ بلد أخرلا تربطه به عاطفة الوطنية والحب والإخلاص للوطن.
أيضاً مقولة البطل حينما كان يناجي صديقه(الغربة تقتل ياحارون تقتل!) هذا الحلم الذي مُت من أجله يا "إبراهيم" في سبيل تحقيقه كان حلم الغربة!! تلك الغربة التي تقضي على حلاوة تحقيق الأحلام،لقد قتلت الغربة روحي وأحلامي ،تلك الأحلام التي ضحيت بحياتك لكي توصلني إليها، لقد توهمنا!، إنها ليست أكثر من مجرد موت بطئ في أرض ليست أرضنا.
أنت مت مرة واحدة يا" إبراهيم" أما أنا فقتلت عدة مرات ،حينما فقدتك ..وكنت أرى الرفاق يتساقطون الواحد تلو الأخر،وحينما وجدت أن الحلم الذي وهبتنا حياتك لأجله لم يكن سوى سراب وكنت أموت كل يوم ومع مشرق الشمس وغروبها....إنها مرارة الغربة وقسوتها التي لا ترحم.
وتتطرق الرواية بشكل غير مباشر للمقارنة بين الثنائي_الوطن والمهجر_تلك المقارنة البسيطة التي أظهرت في آخر الأمر أن الغلبة للوطن مهما كان سيئاً لأنه في الحقيقة ليس بهذا السوء الذي يراه الشباب في الداخل والذي يظهر جلياً لهم حينما يخوضوا تجربة الهجرة.
كما يرسم لنا الكاتب الحالة الشعورية السائدة للمهجرين من حيث شعور الوحدة الذي يلازمهم وأن أي علاقة مهما حاولوا إقامتها يكتشفوا أن للعلاقات الإنسانية معاني مختلفة تماماً عن تلك التي تعودوا عليها في بلدهم الشرقي فيظهر لنا أنه رغم العلاقة الحميمة التي تربط البطل بمختلف الشخصيات إلا أن القارئ يلمس علاقة متناقضة من الخديعة وعدم الأمان لمشاعر الأخر.
كما يتضح لنا أن تلك الوحدة التي شعر بها البطل جعلته يظل فترة طويلة يعيش بعقل وقلب أحلام أخرين حتى ذكريات وألآم أخرين كأنما تاهت عنه نفسه وتخلى عنها بمجرد ابتعاده عن وطنه والتي لم تعد له إلامع اكتشافه الوهم الذي كان يعيش فيه.
نأتي إلى نقطة أراها أضعفت العمل الفني قليلاً وهي من وجهة نظري كانت تحتاج إلى مزيد من الإهتمام ليس لأنها روح العمل الفني ولُبه فقط بل لأن العقدة الأساسية كانت في ذلك الجزء واكتملت بها عناصر الرواية ، أتحدث هنا عن الجزء البوليسي في الرواية فقد تميز ببساطة شديدة وهو ليس من صفاته الفنية بالطبع إذ أن فن كتابة المشاهد البوليسية تتميز بكثير من الإثارة وبعض الغموض الازم للمشهد، صحيح أن الرواية اجتماعية إلا أن الكاتب وضع عقدة المشكلة وتطور الصراع والحل الناجم عنه في هذا الجزء،ومع أنه احتل مكانة هامة في البنية القصصية من حيث تسلسل الأحداث وأهميتها إلا أن الكاتب أهمل الإعتناء به.
الرمزية في النص:
احتلت الرمزية في النص الأدبي جانباً هاماً وقد أحسن الكاتب استغلاله وذلك نظراً لأهمية الرمزية بالعمل الفني لما له من قدرة كبيرة في إيصال المعاني الخفية،فلم يسرف الكاتب وقتة في ثرثرة سردية وحشو النص بل طوع الرمز في أحسن ما يكون لإيصال المعنى المراد إيصاله.
يعتمد النص على الكثير من الرموز سواء في أسماء الشخصيات ذات المدلول أو من خلال النص،وأقوى هذه الرموز كان رمز "المترو".
"المترو":
فهو باعتباره شكل من أشكال القطار رمز يستخدم للدلالة على حياة الإنسان السائرة بلا توقف . في تلك الحياة التي يقابل فيها أشخاص ويفارقهم ،لقد جسد لنا جميع متناقضات الحياة من اللقى والفراق والسعي وراء الأحلام وضياعها والموت والحياة والخير والشر في تلك الحياة التي تتبدل فيها الوجوه والمشاعر والشعور بالألم والمرض.
في المترو يشعر البطل بتحوله من الآلة التي تعمل في المصنع إلى إنسان يشعر ويتألم مع الأخرين.
"ميراث الأجداد":
ويعتبر من الرموز القوية ذات المدلول التي احتوى عليها النص الأدبي فلم يكن مجرد تسمية بل كان وصف ذا ايحاء عميق هذا الميراث الذي أشعر البطل بأنه ما زال ينتمي إلى أجداد لهم ميراث قوي، هذا الميراث الذي ورثه له صديقه في طريقهم لتحقيق الحلم وقد كان رفيق البطل الروحي في سعيه للقضاء على الشر.
أيضاً من الرموز القوية إختيار الكاتب لعمل البطل فهو ذا مدلول يبين لنا من خلاله أن هؤلاء الشباب الذين يتوهمون المجد والثروة تلك الأشياء ليست رخيصة الثمن أو سهلة المنال ويتضح لهم فيما بعد أنهم لن يحصلوا على أي شيئ وأنهم يتحولون لمجرد الآت وتروس صغيرة في الآلة الأوروبية الكبيرة يساهمون من خلالها في ازدهار ونماء البلد على حساب أدميتهم وكرامتهم.
لقد تاه منه الحلم أثناء مراقبته الدائمة لتلك القطع الإلكترونية الصغيرة التي تمر من أمامه، ليس هذا فقط بل إنه لم ينل ولو جزء بسيط من الحرية التي تمناها ، إنتفت في عمل يفرض قيود تلغي النمو العقلي والتقدم والإبداع.....
شخوص الرواية:
(الرجل)
وهو المحور الرئيس في الرواية حيث يحظى بدور لافت والشخصيات الرئيسية هي:
فؤاد:
البطل، وهو الشخصية المحورية الأساسية،شاب حلم بالهجرة وسعى لتحقيق حلمه،ينقلنا معه بين ماضيه وحاضره،ومفترق الطرق الذي وجد نفسه فيه حينما دخل منير الطاغوتي حياته،وهو الذي اكتشف بعد فوات الأوان أن أصدقائه الذين أحبهم ما هم إلا أناس يحققون مصالحهم صعوداً على أكتاف الأخرين.
شخصية البطل وضعها الكاتب في قالب من البساطة ولم تتغير صبغته الشرقية حتى مع الإغتراب،ومن صفاته التذمر من كل شيئ في حياته، حيث لا شيئ يريحه كما لديه نوع من الامبالاه يظهر في سماته الشخصية،ولكن مع تطور الأحداث وظهور الأزمات تختفي الامبالاة ويتحول هذا الحمل الوديع والشاب المتذمر إلى قوة تقف في وجه الشر بكل قسوة حينما يوقع بالطاغوتي وشبكته.
له علاقات نسائية متعددة بدأً"بسميرة"في مصر و"سلوى"في أول سنوات غربته إلى"جرمين".
من هذه العلاقات يظهر لنا أن البطل لم يحقق نجاحاً في علاقاته النسائية على الصعيد العاطفي ،وعلى الرغم من تواجدها في حياته إلا أنه لم يتأثر بتلك العلاقات كثيراً...رغم محاولة الطاغوتي إدخال اسم سلوى كعنصر ضاغط ليوافق على الصفقة،ولكن الحقيقة أن سلوى كانت الدافعة الأخيرة فحتى لو لم تكون هي في الصفقه لأتمها لقوة تاثير المال الذي يغلب على أي مشاعر أخرى.
إبراهيم حارون:
صديق البطل ويعتبر المحرك الداخلي له
وهذه الشخصية كنا نراها حينما كان يناجي البطل نفسه ويهرب إليه من قسوة الحياة ومرارة الغربة ،ورغم أن دوره في القصة كان ثانوياً إلا أنني أعتبره من الدعائم الأساسية وقد حرص الكاتب على إسقاط كثيراً من السمات النفسية على هذه الشخصية....فهو فورة الشباب التي حركت فكرة الهجرة وكان المخطِط لرحلة الهروب وكان المرجع النفسي والملاذ للبطل،كما أنه من حمل ميراث الأجداد وورثه للبطل.
الطاغوتي:
وهو إحدى الشخصيات الهامة وقد تمكن الكاتب من تحريكها بذكاء.والتناقض كمكون رئيس في هذه الشخصية قد أثراها ذلك الاختلاف الذي يجعلك في تساؤل دائماً عن أن مهما حاول الانسان أن يخرج عن جلده ويتغير إلا أنه لابد لنزعته الأصلية من الظهور ذلك الطاغوتي الذي يسبح في خموره ووسط طغيانه وبطشه وتجارته التي لم يترك شيئا إلا وتاجر به ومع ذلك لم يمنعه من الوقوع في "سذاجة"والتي لا يفترض أن يقع فيها تاجر محنك مثله بأن منح ثقته للذي يراه الجميع حملاً وديعاً وانخدع بسهولة لمظهره.
وهذه الشخصية يطلق عليها فنياً الشخصية المساعدة
وهي تشارك في نمو الحدث القصصي، وبلورة معناه والإسهام في تصوير الحدث.
ومع أن وظيفتها أقل قيمة من وظيفة الشخصية الرئيسية،
إلا أنها تقوم بأدوار مصيرية أحياناً في حياة الشخصية الرئيسية.*
جريستي:
مسيحي وصاحب مطعم بالقرب من المصنع"محل عمل البطل"أسلم نتيجة حبه لفتاة مسلمة
نوع مختلف من الشخصيات التي تقابلها في البلاد الغربية
ورغم قلة ظهورهذه الشخصية إلا أنه من أكثر الشخصيات الثانوية ثاثيراً،فقد امتازت بتأثيرها الحاسم وشعرت بأن الكاتب قد ركز في هذه الشخصية لتمثل الحكمة"خير الكلام ما قل ودل"وكان حديث هذه الشخصية مؤثراً وفي الصميم...مع إضفاء مسحة من الكوميديا وخفة الظل على هذه الشخصية.
ومن المواقف واضحة الرمزية عميقة التأثير..إسلام جريستي واختياره لإسم "إبراهيم"
نأتي لنقطة أخرى وهي جعلتني أتوقف كثيراً عندها وتتعلق بشخصية اليوناني" جرستينى"كنت عندما أصل إلى الجزء الذي ينقلنا فيه الراوي للحديث مع هذه الشخصية كنت أبطئ القراءة حتى إنني أتوقف ...هذا الجزء الذي يعطي للرواية بعداً أكثر اتساعاً ومعنى أكثر ثراء حيث تجد دائماً في الحوار بين البطل وشخصية"جرستيني"معان خفية.
وهذه الشخصية تسمى بالشخصية النامية
وهي التي تتطور من موقف إلى موقف- بحسب تطور الأحداث،
ولا يكتمل تكوينها حتى تكتمل الرواية، بحيث تتكشف ملامحها شيئاً، فشيئاً
وتتطور تدريجياً خلال تطور الرواية وتأثير الأحداث فيها. *
علاء--رأفت:
علاء سوري الأب ،رأفت فلسطيني
الإثنان تعرفا على فؤاد شعرت بأن تأثير هاتين الشخصيتين متقارب لولا أن الكاتب ميزكلاً منهما ببعض الصفات الرمزية كعدم ثقة أي أحد برأفت وهذه الفروقات البسيطة أنقذت الكاتب من الوقوع في التكرار.
-------------
(المرأة):
لم يكن لها ذلك التأثير الذي عهدناه من المرأه فلم ترسم هي حياة الأبطال وتحركها ولم تلعب أدواراً محورية،وكان حضورها شبيه بضيف الشرف.
جرمين:
فتاة أوروبية من أصل يوناني تركي،وقد قال عنها البطل:"إن أي شاب مغترب يبحث عن فتاة أوروبية يحبها وقد كانت جرمين"
وقد ظهرت جرمين بعد أن تركته سلوى فكانت هي المهرب العاطفي.
ورغم أني لم أستسيغ وصف الكاتب للشخصية حيث كان أقرب إلى القبح منه إلى الجمال الأوروبي الذي يفترض بالشباب العربي البحث عنه في فتياتهم
إلا أن صفات الشخصية التي أسقطت عليها ودورها في الرواية أدته بتفوق.
سلوى:
أراد الكاتب وضع الشخصية "سلوى" في قالب الوطنية وأن تكون هيا المحرك العاطفي للبطل والرئيس للقبول بمساعدتهم...
شعرت بأن هذه الشخصية ينقصها شيئ ما لتكتمل.
هذه بعض الشخصيات الهامة والمذكورة في الرواية وهي تحتوي على شخوص أخرين وبرغم تعدد الشخصيات لم نجد شخصية نسخت الأخرى.
الحالة النفسية للشخصيات:
1 الخوف:
لايوجد وإن كان غريباً بعض الشيئ على شباب في الغربة حيث يسود على مثل هؤلاء الخوف على لقمة العيش التي ضحوا في سبيل الوصول إليها والخوف من العودة مرة أخرى إلى البلد الأم رمز القهر والظلم .
2 القلق:
هذا المكون النفسي يعتري معظم شخصيات الرواية الأساسية والثانوية في محاولتهم للوصول إلى ما يريدون..ويظهر في لهاثهم المحموم وراء ما يبتغون وقلقهم من عدم تحقيق ما يصبون اليه
3 الاغتراب:
وهو مكون تواجَد لدى كل الشخصيات الأساسية والثانوية الكل يعيش في غربة وطن أو غربة روح"مثل جريستي"الذي كان حائراً حتى أسلم وتزوج ليلى ،أو ضياع هوية
لكن الغربة الغالبة هي غربة الوطن.
4 السخط وعدم الرضا:
وهذا المكون نلحظه بوضوح في شخصية البطل وظهر واضحاً في اللازمة التي تكررت على لسانه وهي كلمة"اللعنة"فلاشيئ يعجبه وغير مرتاح حتى علاقته بأصدقائه ساخط عليها وحياته في الغربة التي حارب من أجل الوصول إليها ساخط عليها. أيضا ساخط من استيقاظه باكراً والجو البارد دائماً ،وعمله غير راضي عنه حتى عاداته الخاصة متذمر منها.
البنية الفنية:
الأساليب الأدبية في الرواية :
استخدم الكاتب عدة أساليب أدبية ضمنها نصه الفني فالأسلوب السردي الذي استخدمة لبناء نسيجة الفني تخلله عدة أساليب مثل أسلوب اندماج الواقع بالماضي عن طريق استخدامه للتقنية السينمائية"الفلاش باك ،مثال قول فؤاد"تذكرتُ الحفلة وتذكرت الطاغوتى بغتة بهيئته الرهيبة"وتنقطع لتعود مرة ثم يرجع بذاكرته إلى أن يعيده صوت المتصل إلى الواقع مرة أخرى "جاء صوت رأفت؛ ليعيدني إلى الواقع مرة أخرى وهو يقول:- لم سكتَ ؟!..أنت السبب ولست أنا..أنتَ أحمق."وأيضا في اللحظات التي كان يعود فيها بذاكرته ليتذكر أحداث مرت مع صديقه "إبراهيم حارون".
استخدم أسلوب خلط الحوار بالمناجاة وهذا المزج يظهر في مناجاته لصديقه حاورن.
اللغة:
الغة سهلة وراقية، تحمل دلالات لغوية ولكن في ذات الوقت يقدر القارئ العادي على فهمها، فلا يتعب في قرأتها أولاً، ويستطيع فهمها ثانياً،
والجمل رشيقة تميل إلى القصر..
الحوار:
الحوار هو تبادل الحديث بين الشخصيات في العمل الأدبي ومن وظائفه بعث الحيوية في الشخصية، ومن شروطه أن يكون مناسباً،
وموافقاً للشخصية التي يصدر عنها، إذ لا يعقل أن يورد الكاتب حواراً فلسفياً، عميقاً على لسان شخصية أمية، غير مثقفة ،كما أنه يخفف من رتابة السرد الطويل،
والذي قد يكون مبعثاً للسأم والملل، وبتدخل الحوار الخفيف السريع يقترب النص من لغة الواقع أكثر.*
الحدث:
وهو أهم ركن في البنية الفنيه للرواية ففيه تنمو المواقف، وتتحرك الشخصيات، وهو الموضوع الذي تدور القصة حوله
وأهم العناصر التي يجب توفيرها في الحدث القصصي هو عنصر التشويق،
وفائدة هذا العنصر تكمن في إثارة اهتمام المتلقي وشده من بداية العمل القصصي إلى نهايته وبه تسري في القصة الروح والقوى المحركة والعاطفة.
ولقد ذكرتُ سابقاً أن هناك نوعاً من الخلل في عنصر التشويق لكنه لم ينتفى والديناميكية فيه واضحة وأُجحِف لو قلت بأن التشويق غير موجود .
طريقة البناء الفني:الاستايل الروائي:
استخدم الكاتب الطريقة الحديثة وفيها يشرع القاص بعرض حدث قصته من لحظة التأزم، أو كما يسميها بعضهم"العقدة"،
ثم يعود إلى الماضي أو إلى الخلف ليروي بداية حدث قصته. مستعيناً في ذلك ببعض الفنيات والأساليب كتيار اللاشعور والمناجاة والذكريات.
الزمان والمكان:
أولا المكان:
-----------
حيز المكان في الرواية كان واسعاً
فتدور أحداث الرواية في ايطاليا لكنها مكان مفتوح على أمكنة داخلية أخرى منها{ميلانو-نابولي-سيسيليا}وخارجية منها لبنان ويتم الربط بين هذه الأمكنة بواسطة الأشخاص.
توضيح بعض العلاقات الثنائية بين المكان(الداخل\الخارج)،هنا وهناك
هذا الداخل"هنا"رمز للمضايقة والقهر والإنغلاق ويمثل "الهُنا"تلك الصفات في البلد الأم فالشخصيات المعنية بذلك ومنها البطل كان البلد الأم في نظرهم رمز لكل الشرور وسرقة الأحلام بينما "هناك"الخارج(بلاد الغرب)حيث الهجرة فهي رمز الإنفتاحية والتحرر وسقوط القيود،وبما أن هنا لن تتحقق أحلامي فهناك ستتحقق
ثانيا الزمان:
------------
كان يضيق ويتسع واتخذ جميع أشكاله وأوقاته من ليل ونهار ماضي وحاضر .
النهاية (لحظة التنوير):
وهي مهمة لاكتمال ترابط عناصر العمل الفني فكما هناك بداية لابد وأن تكون نهاية وفيها يتحدد مصير الشخصيات ونهاية الصراع الذي نشأ بينها
بالنسبة لنهاية رواية "أحلام نارية"ففيها اقترب الكاتب من الواقعية الحقيقية،-والواقعية هامة فلا يستحب تلك النهايات غير المتوقعة أو المفاجأة بصورة تربك القارئ وتكون كجسم غريب أُلصِق بالعمل الفني – فلحظة النتوير التي وصلت إليها الشخصية الرئيسية ومصير الطاغوتي وباقي الشخصيات كانت هي النهاية .
وأيضا جو الحزن الذي سيطر على رواد المترو أغلق أحداث الرواية برماد النار التي اشتعلت في البداية.
كلمة أخيرة:
أمل أن أكون قد وفقت في ايصال الصورة الحقيقية للقارئ بشكل يساعد على إيضاح أكثرلما أراد الكاتب ايصاله ايماناً مني بأن الناقد الجيد مفعوله مثل الألوان في لوحة فنية يضفي للعمل الأدبي جمالاً ورونقاً يجذب القارئ إليه أكثر ويكشف أي غموض لم يستطيع الكاتب توصيله(رغم أن هذه الرواية تمتاز بالبساطة والوضوح) كما أن عليه أن يبين مواطن الضعف بما لا يتعارض وجمال العمل الفني بل يزيد من اظهار الجماليات لجذب القارئ المثقف والعادي .
* من كتاب تطوّر البنية الفنية في القصة الجزائرية المعاصرة.
1947 ــ 1985
قراءة نقدية:
#شيماء طه النمر#
This entry was posted
on 7:24 م
.
You can leave a response
and follow any responses to this entry through the
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
.
عزيزي محمد ، مر بي وقت طويل و أنا أتصفح مدونتك ، فإذا بي مستمتع بما أقرأ .
أشكر لك هذه اللحظات ، و ألف مبروك على أحلام نارية ، و عقبى لنوبل :)
الف شكر عزيزي أحمد كمال
سعيد جدا بكلماتك الرقيقة
وسعيد جدا أن المدونة أعجبتك
الف الف شكر عزيزي
اسعدني مرورك جدا
كل سنة وأنت طيب
وأتمنى ألا تحرمنا من زياراتك دوما
خالص تحياتي وشكري
وخالص مودتي