يقتله الشك ...  

Posted by: محمد إبراهيم محروس



يقتله الشك.....

قتله الشك، منذ الأمس وهو يشعر بأن حياته كلها تمضي في وتيرة الشك، سحب السماء تبدو بعيدة جدًا، بينما يراهن هو ظله المعكوس أن يسبقه، مرر عينيه على واجهة المحلات المتتابعة أمامه، يريد أن يشتري لها شيئًا، يريد أن يدخل عليها اليوم وهو فارسها، معركته الأخيرة كانت خاسرة بالتأكيد، يتذكر كيف بدا لها وقتها طفلا، وكيف بدت هي كأنثى كاملة تنتظر من يفك شفرتها، بالتأكيد هو أجتهد من ناحيته في هذا، ولكن بعد انتهائه أحس أن هناك شيئًا ناقصًا في الموضوع، ليس كما هو متوقع له. أضواء النيون في المحلات تعاكس عينيه، هل هذه تناسبها ؟ ستبدو في غاية الجمال وهي ترتديها، قبعة جميلة حقًّا، سوف تشبه وقتها فتاة من الغرب، لقد أحب من قبل فتاة ترتدي هذه القبعة في فيلم سينمائي قديم، لا، سيحاول أن يجد شيئًا أشد جاذبيه، ما رأيها لو جلب لها هذه الزجاجة من العطر الفاخر، بالتأكيد ستعبئ جو الغرفة الرائحة، ولكن أي رائحة سوف تطغي على رائحة جسدها، الذي يشعر أنها تتخلل مسام جلده الآن، لحظات حالمة تقترب وتبتعد، يظن أنه سيظل كثيرًا واقفا أمام الواجهات، لن يختار بسهولة، يجب أن تكون الهدية مثيرة، فتاة تقف خلف طاولة ممتدة، ترتفع ابتسامتها إلى شفتيها تدعوه للدخول، ربما هي تكون أكثر منه خبرة ستقول له الهدية المضبوطة، المرأة لغز ولن يفهمها إلا امرأة مثلها، هكذا قال لنفسه وهو يتقدم ناحية الفتاة، التي اتسعت ابتسامتها أكثر، وكأنها تثبت لنفسها نجاحها في جذبه، ألقى التحية هكذا ظن، برغم أن صوته بدا ضعيفا متخاذلا، رأت ملامح الحيرة في وجهه، ساعدته قدر استطاعتها، عرضت عليه أصنافا متعددة من كل شيء موجود حولها تقريبًا، حاولت أن تفتح معه مجالا للحوار، ربما قالت إنها تسكن بجواره على الناصية، وإنها كثيرًا ما رأته وهو يجهز نفسه للعمل صباحًا من شرفة منزلها، وربما قالت إنها تابعته وهو يرشف فنجان قهوته الصباحية التي يدمنها، الدقائق تمر الآن في سهولة ويسر، وحديثه مع الفتاة فتح نفسه للحوار أكثر، جادلها وجادلته، ضحك عندما عرف أنها جارته بالفعل بل إنه يتذكر أنه لعب معها في الصغر، وتذكر شكل أمها، كم كانت جميلة ومثيرة، الأم، هكذا قالها لنفسه، بينما الفتاة تبدو أمامه أكثر حيوية منها وحركة، تتحرك في انسيابية عجيبة، ملامحه المتوترة، وقلقه كلما أمسك هدية بيديه، جعلها تتعاطف معه، بعض الريبة انتابتها بعد مرور الوقت، ربما ظنت أنه يطيل الوقت حتى يحادثها ويبادلها الذكريات، الخطوات قليلة على المحل الآن فلا داعي لأن تشعره أنها تحس بالضجر، بل بالعكس أصبحت تميل أن تطيل الحديث، ولكن أزعجها أنه يبدو ساذجًا أكثر من اللازم وليس كما تخيلته، سحبت كرسيًا وصعدت أمامه لتتناول شيئًا من رف علوي، ظهرت ساقاها له جذابتين، وملفوفتين، بلع ريقه وهو يضم كلمات كادت أن تهرب من بين شفتيه فضغطها تحت لسانه، جلبت له الهدية، فتحتها أمامه في بساطة، أقشعر شعر يديه، واحمر وجهه، بينما ضحكت هي، وهي تعرض أمامه " البيبي دول" الذي جذب نظره ، طلب في آخر الأمر أن تلفه في شنطة وعلى شكل هدية، وشكرها، ولم يلحظ ملامح الضيق التي خالجت وجهها وهي تلف الهدية، على باب المحل كان عليه الانتظار، فصديقه سيمر عليه الآن ويجب أن يكون يقظًا حتى لا يجيء ويذهب دون رؤيته، المشكلة أنه بدا لنفسه شخصا آخر، شعر برجفة ما تستولي على جسده، لحظات، ورفع هاتفه المحمول، وطلب صديقه، الذي لم يرد في أول مرة، ولكنه واصل محاولته، فجاء صوت الصديق. إنه سيمر على صيدلية لجلب دواء ما، وسيكون أمامه خلال دقائق، بدت الدقائق بطيئة، رأى فتاة المحل تقف أمام بابه قبل أن تغلق المحل، وترمي له بسلام وابتسامة وهي تغادر الرصيف الذي جمعهما لثوان.. وكأنه تقول له لاحقني، ولكن ربما لم يفهم أو لم يحاول الفهم..
أخيرا بدت سيارة صديقه تدخل الشارع مسرعة، بينما كاد الشك أن يقتله أنه لن يأتي، أشار له الصديق بالركوب، تبادل بينه وبين نفسه حوارا طويلا والسيارة تمضي، أخيرا بدت له العمارة قريبة، ركن صديقه السيارة، ودعاه للنزول، صعد الطوابق الخمس وكأن هناك ملاكا يرقص بين صدره، وقف أمام الشقة ورن الجرس، فتحت له، وابتسمت وأفسحت له الطريق، لم تمر ثوان حتى وجد يد صديقه تسحبه لجانب وهو يتمتم له
: بص يا جميل المرة دي فيه توافيق وتباديل ، انت هتأخد البت اللي كنت انا معاها المرة اللي فاتت ، وانا هاخد اللي كانت معاك ، أوك .. قشطة "
شعر بسحابة سوداء تطبق على عينيه، وضع الهدية جانبا، وهو يرى صديقه يسحب فتاته ويمضي إلى إحدى الغرف الشاغرة، بينما وقف هو ذاهلا يقتله الشك.........




لون واحد ..  

Posted by: محمد إبراهيم محروس

تختار لون ثوبها ، وهي تنظر للمرآة ،لقد جاء لها بثلاثة فساتين ، تبدو تضاريس جسدها جميلة ومتسقة ، تتأمل الثوب . يقف خلفها وهو يتطلع إليها في شبق .

تتذكر فجأة أباها وهو يشتري لها أول فستان تتذكره ، وهي تميل في حذر و تهمس أحمر

يلتفت أبوها للثوب ولونه شديد الحمرة وقتها، ثم يهزّ رأسه بالرفض ، تعود للأثواب الأخرى تتأمل فيها ، ثم ترجع لنفس الثوب من جديد وهي تهمس : أحمر

يأخذها من يدها بعد أن يضع الثوب أمام البائع شاكرا وينصرف ، لم يحب اللون الأحمر قط ، وهذا ما لم تفهمه الصغيرة ، التي كادت أن تقاوم دفعه لها خارج المحل حتى لو أحست بأنه يدفعها برفق ، زميلتها ترتدي الثوب الأحمر ، وتميل إلى تصديق أن الأحمر هو كل حياتها .

يأخذهما الطريق إلى شوارعه ، التي تتراقص فيها كافة الألوان ، ترى الصغيرة أن الأحمر طاغ بشدة وأنه لغة التفاهم ، تقف هي وأبوها أمام فاترينة محل آخر . يتطلع إليها أبوها ويرى عينيها وهما تلمعان عندما تشاهد ثوبا آخر أشد احمرار ، تهمس لأبيها مرة أخرى أحمر .. رافضا يسحبها ويمضي .

تعبت قدماها الصغيرتان من كثرة الوقوف أمام واجهات المحلات ، والتي يختفي خلف زجاجها كل الألوان بينما يلمع الأحمر في عينيها .

أخيرا يختار لها أبوها ثوبا أبيض اللون ، تحاول الرفض ، ولكنه يصمم ؛ فتستسلم ..

حياتها تمضي ، سنوات تجر سنوات ، وكل عام يختار لها أبوها فستانا أبيض ، حتى ملت الأبيض .

يوم عرسها تتذكره الآن ، وتتذكر أنها رغبت بشدة أن يكون فستان زفافها أحمر ، ولكن صديقاتها ضحكن ، وهن يهمسن لها بكلمة احمر لها وجهها ..

اختاره أبوها لها أيضا ، رجل يكبرها بعشر سنوات، دقات الدفوف ، ثوب عرسها الأبيض ، تُقفل الأبواب والضجيج يزداد ، تمتد يد زوجها إلى فستانها ، تخاف دون سبب ، تبعد يده في رفق وهي تهمس ، سوف أخلعه ..لا ينتظر ، يمد يده يمزق فستانها بعنف لم تفهم مبرره ، يقذف بها للسرير وقد تمزق الثوب وهي تحاول أن تلمه بيديها ، أتت صرختها ضعيفة وفزعة وهي خائفة أن يسمعها الناس ، يمد يده بعنف إلى منطقة عفتها ، يلوث جزءا من فستانها الأبيض بالدماء التي لم تبد في عينيها وقتها حمراء ، تئن وتكتم دموعا تفر ، وزوجها يسلم قطعة القماش لأمه ، ثم ترتفع الزغاريد بعنف ، ويزداد الضجيج ..بينما يعود زوجها ليلتهم فريسته ..

تعود لواقعها وهي ترى لون الفستان بين يديها ، أخيرا تملك فستانا أحمر .. تشعر أنه يستحق طول هذه المعاناة ..

يتطلع إليها وهي ترتدي الفستان وتدور به حول نفسها ، يضحك بشدة وهو يهمس : طفلة أنتِ

تقبله بعنف وهي تقول : سأذهب ، أنت تعلم زوجي يعود في العاشرة ..

تبدأ في خلع الثوب الأحمر ، وترميه على السرير ثم تعود لترتدي فستانها الذي جاءت به ، بينما تلمع في ذاكرتها كل الألوان ..والأحمر يطغى بشدة .

آدم ...  

Posted by: محمد إبراهيم محروس

آدم ...


الوحدة ذلك الشعور القاسي الذي يشملني ، لا يفصلني عن الواقع سوى التفكير فيه .


أشعر برغبة ملحة في فعل جنوني ، أذهب للمطبخ ، أضع البراد على النار ، أعود لجهاز الكمبيوتر


الذي يجعلني أكثر وحدة ، أمرر عينيّ على بعض صفح الإنترنت ، أتجول سريعا ، يصيبني الملل .. أكرر بيني وبين نفسي أنني مجنون .. أعود للمطبخ ، أصب كوب الشاي ، وأعود مرة أخرى لوحدتي .


أقرر أن أفعل شيئا خاصا ، لا أدرك طبيعته ، أتساءل بيني وبين نفسي هل أصبحت مدمنا للانترنت؟!!


أرمي هاجس الإدمان جانبا ؛فكم ندمن من أشياء تجعل حياتنا جحيما !


أقرر أن أعمل حسابا خاصا لي على الياهو باسم مستعار ، أدخل غرف محادثات الياهو ، تنط في


وجهي عدة رغبات ملحة من أشخاص رغبة في التعارف ، أرفض المحادثات أو معظمها وأغلق


الشاشات التي تقفز في وجهي باستمرار بعبارة واحدة مكررة .. ممكن نتعرف؟ ..


أتأمل دخان سيجارتي ، فجأة تأتيني رغبة في المحادثة ، يأتيني اسمه.. آدم ..


نتعرف ؟ .. أجيبه ولما لا ..


تمضي بي ساعات وأنا وآدم نتحاور نتناقش يصمم أن يعرف اسمي ، وأكرر أنا لا يهم الاسم .. يجذبه غموضي ..


تأخذني ساعات الشات لكثير من الحوارات المفتوحة والأسرار التي لن أحكيها لأحد من قبل .. فآدم


شخصية جذابة ولكنها خيالية ، يفصلني عنه شوارع وبيوت وأجهزة بلا حصر ، وشبكة عنكبوتية تمتلئ


بالملايين .. أحدث آدم كأنني أحدث نفسي ، يوم يمر ، ثم آخر ، ومحادثاتي مع آدم لا تنتهي ..


أشعر برغبة ملحة في احتضان آدم ، فهو أصبح يفهمني أكثر من نفسي ، ما زال اسمي غير معروف له


، وبالتأكيد هو ليس بآدم وأنا لست بأنا ، كلانا مزيف .. تنتابني رغبة ملحة في إدهاش آدم .أخبره بأشياء


تجعله يظن أنني شخصية أسطورية ، يحكي لي قصص حقيقية أو ملفقة عن زوجته وعن أهلها ، وعن


أسباب طلاقه ، أحكي له عن وحدتي بالمثل ، وعن رغبتي المستمرة في الحكي ، نطوف مناطق بشرية


غير مأهولة ومأهولة ، نغرب ونشرق .. تجذبني اللعبة أكثر .. يريد أن يسمع صوتي .. أرفض ..

هناك هاجس خاص ألا يتخطى آدم معي أكثر من هذا ..


اليوم تتغير رغبتي ، أعلن لآدم عن أنني سوف أمسح اميله ، وأنسى كل محادثاتي معه .. يرفض يصر


على أننا أصدقاء .. أخبره بصراحة أننا شخصيات وهمية .. وأنني أصبحت أشتاق لوحدتي ، ولجهازي


الذي أظل أحدق فيه لساعات في شاشة لا تنقل لي أي جديد ، ولكني قبل أن أذهب أبهره أكثر بقصيدة


شعر ألفتها له .. لآدم الذي لا أعرفه .. أرفض كل توسلاته لكي نظل أصدقاء ..


أضغط زر دليت وأنهي تلك الصداقة المزعومة ..


أعود لوحدتي .. بعد أيام أتحسر على تلك الحالة التي فقدتها مع آدم .. أتحسر أنني لم أحفظ أميله


الشخصي .. أحاول أن أتذكره دون فائدة .. أخرج للحياة الحقيقية ، أجد عيني تبحث في وجوه الجميع عنه ..


أدخل غرف الشات لساعات ربما أتعثر به ، ولكنني للآن لم أعثر عليه ، وتنتابني غصة كل يوم مع غلق


جهازي .. وحلم آخر يلفني أن أجد آدم في يوم ما ..



اعتزال بائع الروبا بيكيا ..  

Posted by: محمد إبراهيم محروس

اعتزال بائع الروبابيكيا

تنتابني حالة من الهدوء لرؤيتها ، ملامحها الطفولية ، ابتسامتها العذبة ، الشفتان المكتنزتان عن صفين من الأسنان التي تعتني بهما اعتناء خاصا ، فتشعر بصفاء الضحكة ولمعانها ، أرى وميض عينيها لثوان قبل أن أبتسم في وجهها :- عاملة إيه يا حبيبة ..

تضحك فتتسع ابتسامتها : كويسة ..

حبيبة إحدى بنتين لعم أحمد الشامي ، الأخرى سماح .

البنتان لديهما ما يشبه الإعاقة الذهنية .

حبيبة هي التي تجلب لي السعادة بطريقة ما ، وهي تحمل أشياء في يديها عندما يمر بائع الروبابيكيا / ضاحكة وأنا أقول لها : إيه اللي شيلاه دا ..

- دا الخلاط بتاعنا هبيعه ، تشتري..

- ها ها ها .. وهتبيعيه ليه ، مش شغال .

- شغال بس هبيعه .

يقلب بائع الروبابيكيا في الأشياء ، ويدفع الثمن الذي تحدده ، والذي يعرف أنني سأدفع له ضعفه لأنه عادة لا يزيد عن ثلاثة جنيهات كل مرة .

وكأنني مشترك مع بائع الروبابيكيا وحبيبة في لعبة لا تنتهي ، هو يشتري أشياءها ،وأنا أشتريها منه ، ثم أعيدها لعم أحمد عندما يعود من شغله مكدودا ، مشغول البال على البنتين ..

التي تضحك دائما ، لا تشرب الماء ..تقول إنه ملوث.

التي تضحك دائما ، تدمن الكولا .

التي تضحك دائما ، جسد امرأة وعقل طفلة .

التي تضحك دائما تبيع أطقم المطبخ بصورة شبه يومية .

التي تضحك دائما تتخانق معي ، عندما أعيد الأشياء لعم أحمد .

التي تضحك دائما ، تقول : إنني عبيط ومش فاهم .

التي تضحك دائما ، تجمع كل مجلات سماح لتبيعها .

التي تضحك دائما .. نضحك عليها أنا وبائع الروبابيكيا .

حبيبة التي تضحك دائما ، تغضب مني لأنني أعيد لأبيها الطبق البلاستيك الكبير المخصص للغسيل وهي تقول : إنها شافت فيه صرصار .

أصالحها أحيانا بزجاجة كولا ..

حبيبة التي تضحك دائما ، جاءتني باكية اليوم ، قالت : إن عم أحمد مش عايز يصحى .

أتساءل ، تجيبني :فاتح بقه ومش بيرد علي ، وبديله صفار البيضة مش عايز يبلعه .

يركبني الفزع ، أجري ، أخبط على جارتها لتأتي معي ، أدخل لعم أحمد غرفته ، أحدق في عينيه المفتوحتين ، أتذكر قلقه وكلامه وخوفه على البنتين ، وكلامي معه إنه زمن لا يرحم !

أتذكر سفر سماح مع خالتها من أسبوعين ، ورفض حبيبة للسفر ، أتذكر كل هذا ، وأنا ألمح جلال الموت يطل من عيني عم أحمد ..

أطلب من حبيبة نوتة التليفونات ، أتصل بمعارف عم أحمد ، أنتظر بجواره ، أحلم بأشياء مستحيلة ، أن ترد له الروح ، ليقف ويتحرك ليحضنني وأحضنه .

حبيبة تقف فاغرة الفم ، تمسك البيضة تنتظر أن يفيق ، ليفتح فمه ليأكل .

تهرب الساعات ، أحضر الغسل ، ترانا حبيبة نجهز الكفن ، تذهب بعقلها لتودع عم أحمد في مكان بعيد عن أحلام البشر .

التي كانت تضحك دائما ، جف وجهها وهي تعطي لي البيضة التي ظلت تمسكها بيدها طوال النهار .

حبيبة التي كانت تضحك دائما ، أراها اليوم تجلس أمام بيتها تحتضن طبق الغسيل البلاستيك ، الذي كانت تنقل لنا به الماء أثناء غُسل أبيها ..أسألها : عايزة تبيعيه .

تنهمر الدموع من عينيها وهي تحتضن الطبق بخوف رهيب ..

التي كانت تضحك دائما ، لم تعد تكلمني وتتهمني بأنني سرقت أباها وأخفيته ..

حبيبة التي كانت تضحك دائما خاصمتني للأبد .. ولم أعد أرى بائع الروبابيكيا .


أيام خريفية !!  

Posted by: محمد إبراهيم محروس



منذ فترة أعيش في حالة خمول ، أشعر بأن كل شيء في الحياة قد توقف ودون سبب ، مما أعطاني إحساسا خاصا بالانعزال عن البشر ؛فجأة جاءتني مكالمته لتخرجني من حالتي تلك ، جاء صوته دافئا وهو يقول :-

رأيتها اليوم ، وجدتها ..

استمعت إليه دون أن أصغي تقريبا سوى لوشيش سماعة التليفون ، الذي حاولت إصلاحه منذ فترة وفشلت .. ولكني قلت :- والمطلوب ؟!.

قال من وسط فرحته :- أن تأتي معي إليها ..

حاولت أن أتحجج له بانشغالي في رواية كبيرة أطمح في كتابتها منذ سنوات ، ولكنه ضرب على وتر الأخوة والأحاسيس ، والحب ، والصداقة .. كان يكفيني جنوني عن جنونه ،ولكني قررت النزول ..

كان إحساس الخريف ما يزال يتقمصني ، وأوراق حياتي تمضي إلى هواء راكد يحاول أن يعبث بها بلا جدوى ..

لم تمر ربع ساعة حتى جاءني رنين هاتفي المحمول ، ليخبرني أنه بانتظاري أسفل العمارة ، نزلت.

وجدته واقفا مبتسما يركن بيده على باب سيارته وهو يدعوني أن أدلف إليها سريعا ، وسرعان ما راحت السيارة تقطع شوارع المدينة .. وكانت كلماته تصل إلى وأنا أهزّ رأسي محاولا أن أعيش معه لحظات سعادته ..

- لن تصدق .. أسبوع وأنا أتردد على مكانها ، أنظر إليها من بعيد ، أقترب وأبعد ، أحاول وأتراجع ..

أهز رأسي فيواصل .

_____ ولكنك معي بالتأكيد ؟

أنظر للشوارع التي تختلف في عيني ، والأضواء التي تتراقص متعامدة ، وأميل برأسي وأنا أهمم ..

وهو يكمل ..

- لن تصدق فرحتي بتلك اللحظة عندما وجدتها ، ستة شهور كاملة وأنا أبحث عنها ، لم تتغير في عيني ، وكأني أراها يومها ..

مجنون يسحبني معه ، وأنا أشد جنونًا منه كي أجاريه ..توقفنا بعدة فترة أمام عمارة ضخمة في وسط البلد ، قال :- هنا وجدتها .. هل ما زالت نظرتك لها لم تتغير ..

بلعت ريقي وأنا أقول :- وهل هناك جديد حدث لكي أغير رأيي فيها ؟!..

أشاح بوجهه ونحن نقترب من العمارة وهو يقول :- ولكنك تعرف بالطبع كم تعذبت كي أراها مرة أخري بعدما سافرت ..

أمسكت يده بعنف وأنا أقول :- ماذا تريد مني الآن يا محمد ؟؟

سحب يده وهو يقول :- لا شيء ستدخل معي فقط كي تشجعني ..

كززت على أسناني وأنا أقول :- ألم يقل لك أحد أنك مجنون !

ضحك بعصبية وهو يقول :- كثيرون غيرك قالوها .. ولكني لم أصدقهم بالتأكيد !

قلت وأنا أرى واجهة زجاجية أمامنا بها مئات الصور :- ها أنا أقولها لك مرة أخرى أنت مجنون ، لنرجع .

قال في اقتضاب :- كلا .. ليس الآن ..

أخذت نفسا عميقا وأنا أزفر كلماتي :- خانتك يا صديقي من قبل ، خانتك يوم أن أعطتك جسدها دون زواج وخانتك يوم أن سافرت ، هي عاهرة ، وأنت مجنون ..

غامت عيناه وهو يقول بعصبية :- كلا .. حرام عليك .. انظر ها هي ..

قلت وأنا أتراجع للوراء :- أنت مجنون ..

كان أمامنا خلف الواجهة الزجاجية صورة لها في ثوب زفافها بجانبها ذلك الشيخ العربي الذي أشتراها بفلوسه ، وكانت عيناها واسعتين وثوب الزفاف يظهرها ملاكا يكاد يطير ..

قلت بعد وهلة أحاول فيها استعادة رباط جأشي :- أهذا ما جاءنا لأجله .. يا محمد لنذهب..

قال وعيناه تكادان تخترقان الواجهة :- ولكني أريد هذه الصورة .. من فضلك ساعدني ..

_______ وكيف سنحصل عليها ..

______ سنشتريها من المصور .. بالتأكيد سيوافق .. سنشتريها بأي سعر ..

لم يمهلني وهو يسحب يدي لندخل للمحل ، كانت وجهة نظرنا متعارضة تماما مع المصور الذي رفض أن يعطينا الصورة ، ورفض أن يبعنا إياها ، حاولت إقناع المصور باختراع الأكاذيب التي تبدو مبررة ، بحجة أننا أقرباء لها وصور زفافها ضاعت ونريد نسخة منها أو الصورة الكبيرة التي في الواجهة ، ولكن المصور رفض وقال لتأتي هي أو زوجها ، فمنظر محمد لم يرحه .. والجنون المنطلق من عينيه جعل المصور يصمم على رأيه ..

غادرنا المحل وأنا أسحبه خلفي مترقبا خريف أيام مضت ، ولكنه لم يمهلني وهو يميل إلى الأرض ويتناول حجرا يقذف به الواجهة التي انبثق صوت تحطيم زجاجها مدويًا ، قبل أن يخترق الزجاج الصورة لتظل هي محدقة فينا وقد تمزق ثوب فرحها ، بينما المصور يمسك في محمد بشدة ، وتعالت حولي الأصوات الصارخة لمئات الصور .....


الكون العكسي .. بالمكتبات..العدد الثالث من سلسلتي  

Posted by: محمد إبراهيم محروس








غبي !!  

Posted by: محمد إبراهيم محروس


ألمح ملامح الخوف التي ترتسم على وجهه ، والذي يطالعني به كل صباح ، بعد نظرة مقرفة مني له ، وهو ينظر باتجاهي في بلاهة ، وعيناه نصف مغمضتين وقد شحب وجهه من طول السهر أدقق في وجهه أكثر ، وأكثر ، بعد لحظة أعود من تلك الغيبوبة النفسية لأدرك أنني انظر لنفسي في المرآة ، أضحك ، لعل وجهي المنعكس يضحك بالمثل ، ولكنه يكتفي بنصف ابتسامة غبية ، وكأنه يستخسر الضحك فيّ ، لتكن أنت وأنا وانعكاس ظلي ، ولأحدثك عن نفسي قليلا ربما يوما ، ربما تطالعني صورة أخرى لي في مرآة حياتي ، التي أصابها التشقق، كل ما أنا يعود ، وكل ما أنا يذهب ، وفي نهاية القصة اكتشف أنني ما زلت غبيا أتطلع لغبي آخر تنعكس صورته أمامي في المرآة .. فلأبصق .