المرور بتأشيرة مزورة..  

Posted by: محمد إبراهيم محروس

The image “http://www.aleshteraki.net/images/articles/kanafany2.jpg” cannot be displayed, because it contains errors.

المرور بتأشيرة مزورة ...

لم تكن اللحظة كما نتوجها دائما بكلامنا أنها لحظة شبقة للتطور ، كل ما هنالك أن مزاعم القرية قد طالها النسيان ، فلم تعد القصص المنثورة على صفحات جباه رجالها تشغل أي أحد من ساكنيها ، بمجرد مرور الوقت وتأخر ظهور القمر لأيام ؛حتى دارت إشاعات غامضة مريبة أن هناك من يقدم القرية وبيده مفاتيح كنوزها المخبوءة منذ آلاف السنين في باطن جبلها .. عاد أحد شبابها المنزوي غريبا في القاهرة يقول إن هناك لجنة خاصة تم إنشاؤها لمراعاة ظروف القرية، وأن هناك شخصا ما سيزور القرية عما قريب.. من بيت لبيت وبخبطات أياد طفولية ، وبهمسات شفاه راحت تنتشر الأقاويل ..

في حينا المنزوي بعيدا عن أخبار الحياة والعاصمة ، جلست ، أشعل ركية النار ، ورحت ألقمها "قوالح " ذرة متيبسة ، لتزيد الجمرات من اشتعالها ، لم يكن لدي مبرر للجلوس في هذه الظلمة سوى انتظار ظهور القمر الذي اختفى لعدة أيام تحت عباءة مظلمة من التراكم الرمادي ..

بيد حالمة ، وبيد صغيرة ، راحت ابنتي تناولني المزيد من " القوالح ".. رصصت حجرا من المعسل ورحت أعبئ الجو بدخان أزرق بعد أن استخرجت من بين ملابسي قطعة " حشيش " أطعم بها حجر " الجوزة" بين فترة وأخرى ، لم أهتم حقيقة لاهتزاز رأس الصغيرة وتمايلها ، ولكني ربتت على وجهها ، وأنا أشير لها بأن تدخل لتكمل نومها ، أعتدت حكايات القرية ، وما يأتي أحيانا من هلاوس تجيء من بطون كتب صفراء تعود أهل بلدتي على توارثها ..

كل العبث أن يقطع أحد خلوتي الآن ليرمي في أذني أن هناك شخصية مهمة سوف تجيء لقريتنا قريبا ، وأنها ستنير الطريق أمام كل أبناء البلد ، لم أعتد الثقة بالكلمات والوعود المرتبطة بالمسئولين .. ولكنني أشرت لعبد الباسط خفير الدرك الذي أخبرني بالأمر أن يجلس، سند بندقيته بجانبه، وراح يتناول مني بوصة الغاب، لينفث دخانا أزرق من بين شفتيه ، وهو يترحم على عمدة البلد السابق الذي كان لا يخلو داره من أجود الأصناف، قال إن الصنف هذه الأيام مضروب.. وإن الحكومة تغش الصنف..

ضحكت لمقولته ، ولاتهامه الذي أظن أن معظمه باطلا ، ولكنه أقسم بمجيء المسئول الكبير ورأس العمدة السابق أنه كان يأخذ تموينه من الصنف من النقطة ، عندما علم العمدة أن له في الكيف ..

برغم أنني استغربت الأمر بعد الشيء، ولكنني أعتدت أن أقابل كلام أهل بلدتي بالإنصات، حاولت أن أتذكر متى ضربت أول نفسين من " الحشيش " في حياتي، ولكنني فشلت، وكأنما ولدت وأنا أدخنه..

تصاعدت الأدخنة ، ومع غياب القمر ، راحت رؤى مختلفة تثمر وتنمو بداخلي ، لتعطي شجرة وارفة من التخيلات ، منذ سنوات أيضا قالوا نفس مقولته عن زيارة رجل كبير للبلدة ، وقاموا بعد الدور وحصرها ، وتزين الطرقات وفرشها بالرمل ، ولكن الرجل الكبير لم يدخل البلدة من بابها الشرقي يومها ولا الغربي ، دخلها من حدود المحافظة ، ومن مكتب المحافظ نفسه أخذ مكافأة الزيارة وهنأ المحافظ على جمال بلدتنا وجمال شعور أهلها .. وعندما علمنا بهذا الأمر وزع حسن جاموسته التي ذبحها تيمنا بوصول الرجل الكبير على كلاب البلد وذئابها، وهو يلطم حظه العاثر بعدم قدوم الرجل.. من يومها تمر الوعود على قريتنا كمر السحاب، ولكنه سحاب مجدب غير ممطر..تظل الوعود وعودا، هكذا الحال..

وجدت نفسي منتشيا دون أن أعرف لماذا، زدت من ضحكاتي برغمي، طبطبت على كتف عبد الباسط الذي كان منتشيا بالمثل، وهمست له أن يعطيني بندقيته، ناولها لي في لامبالاة، نظرت إليها كثيرا قبل أن يقول هو: إنها قطعة خشب أتظن أنها بندقية حقيقية..الحكومة تمنعنا من الضرب بالرصاص..

ضحكت وأنا أقول : لماذا تحملها إذن ؟!

أجابني من وسط أسنان اصفرت:لأهش بها الذباب..أتريدني أن أمشي في البلد دون بندقية..

اختفاء سيدة العبوس..  

Posted by: محمد إبراهيم محروس

http://alcooool.jeeran.com/gb%5B1%5D.gif



لا أكذبك خبرا الآن أن كل ما سوف أطرحه عليك كله كذب، ولكنني مجبر يا ... على أن تصدقني إذا كنت تريد للافعال أن تستمر وللأقوال ان تتضح ..
عبر جزيرة في قلب محيط عظيم ، لا ليست هذه الحقيقة .
عبر جسر يقطعه المارة في ضوء الليل ، وتفترش النجوم السماء ، كلا كذب .
عبرمخططات سرية لحكماء يحلمون أن يحكموا العالم ، مجرد افتراء .
عبر ليل بهيمي ترعى الأبل فيه ، في صحراء تظللها الرمال والريح ، هلوسة كاذب .
ليس أكثر صدقا من الكاذب أنا حين أقول كانت هي البداية .
هي عندما استيقظت صبيحة يوم ما ، وقد وجدت ابتسامة تحتل وجهها بلا أدني خوف من غد ، ودون تردد حاولت أن تكبح تلك الابتسامة وأن تطلق عبوسها الدائم المشهورة به ، والذي أعطاها اللقب بين النساء بسيدة العبوس الأولى .
كل هذا راح صبيحة ذلك اليوم عندما ضبطت نفسها متلبسة بجريمة الضحك .
قال أطفال الحي والمنطقة إن سيدة العبوس قد أصابها الخبل أنها اليوم تضحك وباستمرار رهيب .
حاولت أن تختفي على العيون حتّى لا يتسرب خبر ضحكها بين الناس ، وتضيع تلك التكشيرة المعروفة والمحفوظة في الصدور منذ سنوات عديدة .
لا تذكر متى بالضبط أخذت التكشيرة مكانها المميز في وجهها ، كل ما تعرفه وتدركه بحق أنها يوما ما ، أصبحت كمثل هذا اليوم وقد تقطب جبينها ورسمت شفاهها صورة حزينة على الوجه .
حتى عندما ضافت السنوات على الأطفال تعطي لكل واحد منهم عمرا فوق عمره ، وتسربت السنون لتحملهم بعبء الحياة ظلت هي على شكلها دون تغيير ، كل شيء يمضي إلا تكشيرتها وعبوسها اليومي .. الشمس تشرق لتغرب وعبوسها مستمر ، الأطفال يمرحون ويتقلبون في شواطىء النهر وهي تلقف ضحكاتهم بوجه عبوس ، يدخل التلفزيون المدينة وتنتشر المسرحيات الهزلية بين الناس ، وتظل هي دوما عبوس .
كل شيء يمضي بطريقته كيفما أراد ، الضحك حولها يتزايد يوما بعد يوم وهي تلبس ثوب الحزن دون مآتم جديدة، يوم أن مات زوجها كمدا وحزنا لأنه لم ير في حياته لمع ابتسامة على شفتيها أدركت أن الأمر فوق طاقتها وخلف أي احتمال للتزوير ، بابتسامة زائفة .
اليوم تختفي عن الرقباء والمتسللين خلفها لتخفي تلك الأبتسامة الرائقة التي انتشرت في وجهها ، والتي ازعجتها بقدر ما أزعجها تسرب الضحكات من بين شفتيها .
قال الأطفال الذين لمحوا ابتسامتها إن سر الأمر كله هناك خلف ذلك الرجل الذي قدم المدينة متأخرا خمسين عاما وهو يحمل على ظهره صندوقا قديما متهالكا ، به خيال ظل ، وبه اراجوازات ، وبه أكثر من هذا دمى تحمل ابتسامات ، والأكيد أنه يحمل ذلك الصندوق القديم الذي كان يعرف باسم صندوق الدنيا ، وأن سيدة العبوس ليلة أمس عندما كانت عائدة من زيارتها اليومية للمقابر ، رأتها والأطفال حوله يتشقلبون ويقومون بحركات هزلية وهم يضحكون على رجل جاء متأخرا خمسين سنة على الأقل .. وهجم الأطفال واحدا أثر الآخر في محاولة لاكتشاف سر الصندوق العجيب وارتمت عيونهم عليه وأخذوا يحدقون دهشا مما يعرض بداخل الصندوق فما رأوه كان يفوق خيالاتهم ونشرات الأخبار والقنوات المفتوحة والمشفرة . كانت شيئا جديدا قديما لا تستطيع أن تعطي له تمييزا حقيقيا ، ولكن الغريب في الحدث أنه اكسب الأطفال شكلا جديدا وقد راحت ابتسامتهم تختفي ويحل محلها صمت غريب ، سيدة العبوس فقط من اتسعت عيناه وأخفت ابتسامة حاولت التسلل إلى شفتيها وهي تجري في اتجاه بيتها .
صباحا اختلفت الأشياء ، عندما انتشر خبر ضحكات سيدة العبوس التي راحت تتردد في الحيّ كله . وذهب كبراؤه إلى أن الأمر كله مستحيل ، فأطفالهم أصبحوا على غير ملامحهم المعهودة ، وماتت ابتسامتهم في الصدور واختنقت عن الشفاه . حتى عندما حاول الأهل إعادة إذاعة برنامج هزلي مضحك كانت الدموع تأخذ طريقها في عيون شباب ورجال الحيّ ، ومع ازدياد الدموع بصورة أصبحت مرئية ، حيث رأى الرائي أيا كان هو مصير أطفاله وأبنائه ، حاولوا أن يبحثوا عن الرجل بصندوقه العجيب وعن السيدة العجوز عابسة الوجه ، ولكن الأمر أصبح مستحيلا أيضا عندما انتشرت التكشيرة على وجه نساء الحيّ بلا استثناء من القاعدة . لم يتبق سوى الوصول إلى المرأة مهما كان الأمر ، قلبت الوجه في الوجوه ، وشدد الرجال على زوجاتهم أن يخرجن مكشوفات الوجه حتى يستطيعوا أن يميزوا بينهن والمرأة العابسة القديمة ، ولكن الأمر تخطى هذا بمراحل متنوعة ، ومتناقضة حيث أصبح التميز بين الزوجات شيئا مستحيلا ، فأهدت الأزواج إلى أن تضع كل سيدة أو زوجة شارة خاصة عليها اسم زوجها حتى لا يحدث أخطاء أخرى هم في غنى عنها الآن يكفي حالة الحزن الذي بدأ يزداد يوما بعد يوم منذ ظهور واختفاء الرجل بصندوقه العجيب ، المسرحيات الهزلية ، والقنوات المشفرة ، والمفتوحة لم تهد الجميع إلى أي شيء سوى الصمت .
وفي المساء تنتشر ضحكة بين القرية ضحكة عالية مرتفعة ، يحاول من يحاول أن يمسك صاحبتها ولكنها تختفي بطريقة ما زالوا يجهلونها ، ليلا تظهر فقط وتقطع شوارع الحي جريا ، كلهم شاهدوها ،ويشاهدونها ليلا ، ولكنهم للآن لم يستطيعوا أن يضعوا أيديهم عليها ، بينما راح الأطفال يكبرون يوما عن يوم دون أن يشعروا وأصبح الحي كله يمضي إلى الخرس فتكفي أن ترى وجه جارك لتشيح بوجهك عنه ، عابسا بعبوس .
قال البعض:إن هناك صندوقا آخر مدفونا في أعماق أحد البيوت به الحل.
صباحا كانوا يحفرون، ويحفرون، وتنتشر أكوام الرمل وتعصف الرياح بها..
وتمرّ الأيام والحفر في استمرار ودوام، والليل يأتي والحفر لا يتوقف، والريح تمضي.
وصباحا انتبهوا للأمر عندما وقف كل سكان الحي على أطرافه، يحاولون أن يلمحوا نهايتها، ولكن لم يصادفهم سوى بيوت مخربة، وأشلاء بيوت، ورمال تمتد وتمتد..وصباحا يرحلون، يحملون شبح الحزن على أكتافهم ويرحلون.
وتنتشر الأسطورة بينهم، إن بعضهم رأى سيدة العبوس ليلا مصاحبة لصاحب صندوق الدنيا، يمضيان ويضحكان سويا مغادرين الحيّ أو ما كان حيّا في يوم ما.

بيت على الطريق  

Posted by: محمد إبراهيم محروس


http://www.muhandes.net/ImgArsh/ejaz/ejaz4-1.jpg



البيت ، طرقاته تمتد أمامي ، ظل شجرة يرتمي على الأرض وكأنه يحفر ظلا آخر له ، صوت سكون ، ملامح لزمن مضى تفرش الممر الممتد من أول الحوش إلى آخر الوسعاية ، ملمح غريب يطفق في ذاكرتي ، ذكريات أيام خلت أو ما تزال في طريقها للرحيل ، نسمة باردة تداعب وجهي وأنا أدلف للداخل ، محملا بزخم من الذكريات ، البيت الذي رأى طفولتي ، وملامح شقاوتي ،وأول حب عذري ،وأول قبلة تحت هذه الشجرة التي تريد أن تنقض ، أخاف من صوت خطواتي التي تسحبني للتفكير، أي شيء آخر يجعلني أندهش غير الخلاء والخواء الممتد عبر ردهات وشرفات البيت ، وكأنه لفظ أحياءه ليعيشوا هوس الحياة بعيدا عنه ، غادرته وأنا متلمس خطوات النجاة مسافرا ، لم يغب عن ذاكرتي قط ، ولم تغب ذاكرتي عنه .. أدخل، أرى الصالة أمامي ، مغطاة بسحب من التراب ،أفتح الشباك فتتسلل نتف بسيطة من ألق الصباح ، أرى حبيبات كالرمل تدخل حاملة معها ضوءًا خفيفًا ، أقف هناك في وسط الصالة ، ألمح صورتها المعلقة ، أقترب أجد بجانبها شخصيات عديدة ، أنا ، وهي وأبي وجدي ، وإطار يحددنا ، أتذكر شكل المصور وهو يلتقط الصورة وفرحة جدي بتكبيرها ، أتذكر ضحكة أبي المتكلفة يومها ، عندما غطس الرجل برأسه أسفل قطعة من القماش ، تشبه ملاءة سوداء ممزقة ، ضحكة ، ياللا ، خلاص .. ثلاث كلمات، وانتقلنا إلى خانة صورة في إطار، أقرب الصورة من بين يدي، وأخلعها من على الحائط.. أتذكر مجيئي الآن وسببه، إنها الصورة.. وأخذت عيناي تلحان بالدموع علي ، وأنا أهمس لنفسي ، بيت ،مجرد بيت ، بينما يتمثل لي جدي ضاحكا : خد كل تفاح ..

أعود لأغلق باب البيت، وأنا أحمل صورة لهم جميعا، وأنا بينهم، والآن علي أن أكبرها وأضعها في شقتي الجديدة، ربما تجلب لي الذكريات...