اعتزال بائع الروبا بيكيا ..
Posted اعتزال بائع الروبابيكيا
تنتابني حالة من الهدوء لرؤيتها ، ملامحها الطفولية ، ابتسامتها العذبة ، الشفتان المكتنزتان عن صفين من الأسنان التي تعتني بهما اعتناء خاصا ، فتشعر بصفاء الضحكة ولمعانها ، أرى وميض عينيها لثوان قبل أن أبتسم في وجهها :- عاملة إيه يا حبيبة ..
تضحك فتتسع ابتسامتها : كويسة ..
حبيبة إحدى بنتين لعم أحمد الشامي ، الأخرى سماح .
البنتان لديهما ما يشبه الإعاقة الذهنية .
حبيبة هي التي تجلب لي السعادة بطريقة ما ، وهي تحمل أشياء في يديها عندما يمر بائع الروبابيكيا / ضاحكة وأنا أقول لها : إيه اللي شيلاه دا ..
- دا الخلاط بتاعنا هبيعه ، تشتري..
- ها ها ها .. وهتبيعيه ليه ، مش شغال .
- شغال بس هبيعه .
يقلب بائع الروبابيكيا في الأشياء ، ويدفع الثمن الذي تحدده ، والذي يعرف أنني سأدفع له ضعفه لأنه عادة لا يزيد عن ثلاثة جنيهات كل مرة .
وكأنني مشترك مع بائع الروبابيكيا وحبيبة في لعبة لا تنتهي ، هو يشتري أشياءها ،وأنا أشتريها منه ، ثم أعيدها لعم أحمد عندما يعود من شغله مكدودا ، مشغول البال على البنتين ..
التي تضحك دائما ، لا تشرب الماء ..تقول إنه ملوث.
التي تضحك دائما ، تدمن الكولا .
التي تضحك دائما ، جسد امرأة وعقل طفلة .
التي تضحك دائما تبيع أطقم المطبخ بصورة شبه يومية .
التي تضحك دائما تتخانق معي ، عندما أعيد الأشياء لعم أحمد .
التي تضحك دائما ، تقول : إنني عبيط ومش فاهم .
التي تضحك دائما ، تجمع كل مجلات سماح لتبيعها .
التي تضحك دائما .. نضحك عليها أنا وبائع الروبابيكيا .
حبيبة التي تضحك دائما ، تغضب مني لأنني أعيد لأبيها الطبق البلاستيك الكبير المخصص للغسيل وهي تقول : إنها شافت فيه صرصار .
أصالحها أحيانا بزجاجة كولا ..
حبيبة التي تضحك دائما ، جاءتني باكية اليوم ، قالت : إن عم أحمد مش عايز يصحى .
أتساءل ، تجيبني :فاتح بقه ومش بيرد علي ، وبديله صفار البيضة مش عايز يبلعه .
يركبني الفزع ، أجري ، أخبط على جارتها لتأتي معي ، أدخل لعم أحمد غرفته ، أحدق في عينيه المفتوحتين ، أتذكر قلقه وكلامه وخوفه على البنتين ، وكلامي معه إنه زمن لا يرحم !
أتذكر سفر سماح مع خالتها من أسبوعين ، ورفض حبيبة للسفر ، أتذكر كل هذا ، وأنا ألمح جلال الموت يطل من عيني عم أحمد ..
أطلب من حبيبة نوتة التليفونات ، أتصل بمعارف عم أحمد ، أنتظر بجواره ، أحلم بأشياء مستحيلة ، أن ترد له الروح ، ليقف ويتحرك ليحضنني وأحضنه .
حبيبة تقف فاغرة الفم ، تمسك البيضة تنتظر أن يفيق ، ليفتح فمه ليأكل .
تهرب الساعات ، أحضر الغسل ، ترانا حبيبة نجهز الكفن ، تذهب بعقلها لتودع عم أحمد في مكان بعيد عن أحلام البشر .
التي كانت تضحك دائما ، جف وجهها وهي تعطي لي البيضة التي ظلت تمسكها بيدها طوال النهار .
حبيبة التي كانت تضحك دائما ، أراها اليوم تجلس أمام بيتها تحتضن طبق الغسيل البلاستيك ، الذي كانت تنقل لنا به الماء أثناء غُسل أبيها ..أسألها : عايزة تبيعيه .
تنهمر الدموع من عينيها وهي تحتضن الطبق بخوف رهيب ..
التي كانت تضحك دائما ، لم تعد تكلمني وتتهمني بأنني سرقت أباها وأخفيته ..
حبيبة التي كانت تضحك دائما خاصمتني للأبد .. ولم أعد أرى بائع الروبابيكيا .
no comment
just amazing
جميلة جدا
هيا الصور اللي بنمر بيها واحنا في رحلتنا
تِلكَ اللوحَة التِي قرأتُها .. رسمتُها .. أحببتُها ب جُنونْ
آلوانُ لوحَتَكْ تختارُها مِنْ شروق الشمسْ وغروبهَا
رآقَتْ لِي أكثر مِمّا تظنْ