أيام خريفية !!
Posted
منذ فترة أعيش في حالة خمول ، أشعر بأن كل شيء في الحياة قد توقف ودون سبب ، مما أعطاني إحساسا خاصا بالانعزال عن البشر ؛فجأة جاءتني مكالمته لتخرجني من حالتي تلك ، جاء صوته دافئا وهو يقول :-
رأيتها اليوم ، وجدتها ..
استمعت إليه دون أن أصغي تقريبا سوى لوشيش سماعة التليفون ، الذي حاولت إصلاحه منذ فترة وفشلت .. ولكني قلت :- والمطلوب ؟!.
قال من وسط فرحته :- أن تأتي معي إليها ..
حاولت أن أتحجج له بانشغالي في رواية كبيرة أطمح في كتابتها منذ سنوات ، ولكنه ضرب على وتر الأخوة والأحاسيس ، والحب ، والصداقة .. كان يكفيني جنوني عن جنونه ،ولكني قررت النزول ..
كان إحساس الخريف ما يزال يتقمصني ، وأوراق حياتي تمضي إلى هواء راكد يحاول أن يعبث بها بلا جدوى ..
لم تمر ربع ساعة حتى جاءني رنين هاتفي المحمول ، ليخبرني أنه بانتظاري أسفل العمارة ، نزلت.
وجدته واقفا مبتسما يركن بيده على باب سيارته وهو يدعوني أن أدلف إليها سريعا ، وسرعان ما راحت السيارة تقطع شوارع المدينة .. وكانت كلماته تصل إلى وأنا أهزّ رأسي محاولا أن أعيش معه لحظات سعادته ..
- لن تصدق .. أسبوع وأنا أتردد على مكانها ، أنظر إليها من بعيد ، أقترب وأبعد ، أحاول وأتراجع ..
أهز رأسي فيواصل .
_____ ولكنك معي بالتأكيد ؟
أنظر للشوارع التي تختلف في عيني ، والأضواء التي تتراقص متعامدة ، وأميل برأسي وأنا أهمم ..
وهو يكمل ..
- لن تصدق فرحتي بتلك اللحظة عندما وجدتها ، ستة شهور كاملة وأنا أبحث عنها ، لم تتغير في عيني ، وكأني أراها يومها ..
مجنون يسحبني معه ، وأنا أشد جنونًا منه كي أجاريه ..توقفنا بعدة فترة أمام عمارة ضخمة في وسط البلد ، قال :- هنا وجدتها .. هل ما زالت نظرتك لها لم تتغير ..
بلعت ريقي وأنا أقول :- وهل هناك جديد حدث لكي أغير رأيي فيها ؟!..
أشاح بوجهه ونحن نقترب من العمارة وهو يقول :- ولكنك تعرف بالطبع كم تعذبت كي أراها مرة أخري بعدما سافرت ..
أمسكت يده بعنف وأنا أقول :- ماذا تريد مني الآن يا محمد ؟؟
سحب يده وهو يقول :- لا شيء ستدخل معي فقط كي تشجعني ..
كززت على أسناني وأنا أقول :- ألم يقل لك أحد أنك مجنون !
ضحك بعصبية وهو يقول :- كثيرون غيرك قالوها .. ولكني لم أصدقهم بالتأكيد !
قلت وأنا أرى واجهة زجاجية أمامنا بها مئات الصور :- ها أنا أقولها لك مرة أخرى أنت مجنون ، لنرجع .
قال في اقتضاب :- كلا .. ليس الآن ..
أخذت نفسا عميقا وأنا أزفر كلماتي :- خانتك يا صديقي من قبل ، خانتك يوم أن أعطتك جسدها دون زواج وخانتك يوم أن سافرت ، هي عاهرة ، وأنت مجنون ..
غامت عيناه وهو يقول بعصبية :- كلا .. حرام عليك .. انظر ها هي ..
قلت وأنا أتراجع للوراء :- أنت مجنون ..
كان أمامنا خلف الواجهة الزجاجية صورة لها في ثوب زفافها بجانبها ذلك الشيخ العربي الذي أشتراها بفلوسه ، وكانت عيناها واسعتين وثوب الزفاف يظهرها ملاكا يكاد يطير ..
قلت بعد وهلة أحاول فيها استعادة رباط جأشي :- أهذا ما جاءنا لأجله .. يا محمد لنذهب..
قال وعيناه تكادان تخترقان الواجهة :- ولكني أريد هذه الصورة .. من فضلك ساعدني ..
_______ وكيف سنحصل عليها ..
______ سنشتريها من المصور .. بالتأكيد سيوافق .. سنشتريها بأي سعر ..
لم يمهلني وهو يسحب يدي لندخل للمحل ، كانت وجهة نظرنا متعارضة تماما مع المصور الذي رفض أن يعطينا الصورة ، ورفض أن يبعنا إياها ، حاولت إقناع المصور باختراع الأكاذيب التي تبدو مبررة ، بحجة أننا أقرباء لها وصور زفافها ضاعت ونريد نسخة منها أو الصورة الكبيرة التي في الواجهة ، ولكن المصور رفض وقال لتأتي هي أو زوجها ، فمنظر محمد لم يرحه .. والجنون المنطلق من عينيه جعل المصور يصمم على رأيه ..
غادرنا المحل وأنا أسحبه خلفي مترقبا خريف أيام مضت ، ولكنه لم يمهلني وهو يميل إلى الأرض ويتناول حجرا يقذف به الواجهة التي انبثق صوت تحطيم زجاجها مدويًا ، قبل أن يخترق الزجاج الصورة لتظل هي محدقة فينا وقد تمزق ثوب فرحها ، بينما المصور يمسك في محمد بشدة ، وتعالت حولي الأصوات الصارخة لمئات الصور .....
لوحَةٌ اُخرىَ ب ألوانٍ تختلِفُ عنِ التِي أطلتُ النظر إليهَا
كُلّ لوحَاتِكْ بهَا شيءٌ يُميُزها حتماً عنَ غيرهَا
أحببتُ هذِهِ أيضاً وَ نالتْ إعجابيْ
سلِمَ جَمالُ فيضُكْ