اختفاء سيدة العبوس..  

Posted by: محمد إبراهيم محروس

http://alcooool.jeeran.com/gb%5B1%5D.gif



لا أكذبك خبرا الآن أن كل ما سوف أطرحه عليك كله كذب، ولكنني مجبر يا ... على أن تصدقني إذا كنت تريد للافعال أن تستمر وللأقوال ان تتضح ..
عبر جزيرة في قلب محيط عظيم ، لا ليست هذه الحقيقة .
عبر جسر يقطعه المارة في ضوء الليل ، وتفترش النجوم السماء ، كلا كذب .
عبرمخططات سرية لحكماء يحلمون أن يحكموا العالم ، مجرد افتراء .
عبر ليل بهيمي ترعى الأبل فيه ، في صحراء تظللها الرمال والريح ، هلوسة كاذب .
ليس أكثر صدقا من الكاذب أنا حين أقول كانت هي البداية .
هي عندما استيقظت صبيحة يوم ما ، وقد وجدت ابتسامة تحتل وجهها بلا أدني خوف من غد ، ودون تردد حاولت أن تكبح تلك الابتسامة وأن تطلق عبوسها الدائم المشهورة به ، والذي أعطاها اللقب بين النساء بسيدة العبوس الأولى .
كل هذا راح صبيحة ذلك اليوم عندما ضبطت نفسها متلبسة بجريمة الضحك .
قال أطفال الحي والمنطقة إن سيدة العبوس قد أصابها الخبل أنها اليوم تضحك وباستمرار رهيب .
حاولت أن تختفي على العيون حتّى لا يتسرب خبر ضحكها بين الناس ، وتضيع تلك التكشيرة المعروفة والمحفوظة في الصدور منذ سنوات عديدة .
لا تذكر متى بالضبط أخذت التكشيرة مكانها المميز في وجهها ، كل ما تعرفه وتدركه بحق أنها يوما ما ، أصبحت كمثل هذا اليوم وقد تقطب جبينها ورسمت شفاهها صورة حزينة على الوجه .
حتى عندما ضافت السنوات على الأطفال تعطي لكل واحد منهم عمرا فوق عمره ، وتسربت السنون لتحملهم بعبء الحياة ظلت هي على شكلها دون تغيير ، كل شيء يمضي إلا تكشيرتها وعبوسها اليومي .. الشمس تشرق لتغرب وعبوسها مستمر ، الأطفال يمرحون ويتقلبون في شواطىء النهر وهي تلقف ضحكاتهم بوجه عبوس ، يدخل التلفزيون المدينة وتنتشر المسرحيات الهزلية بين الناس ، وتظل هي دوما عبوس .
كل شيء يمضي بطريقته كيفما أراد ، الضحك حولها يتزايد يوما بعد يوم وهي تلبس ثوب الحزن دون مآتم جديدة، يوم أن مات زوجها كمدا وحزنا لأنه لم ير في حياته لمع ابتسامة على شفتيها أدركت أن الأمر فوق طاقتها وخلف أي احتمال للتزوير ، بابتسامة زائفة .
اليوم تختفي عن الرقباء والمتسللين خلفها لتخفي تلك الأبتسامة الرائقة التي انتشرت في وجهها ، والتي ازعجتها بقدر ما أزعجها تسرب الضحكات من بين شفتيها .
قال الأطفال الذين لمحوا ابتسامتها إن سر الأمر كله هناك خلف ذلك الرجل الذي قدم المدينة متأخرا خمسين عاما وهو يحمل على ظهره صندوقا قديما متهالكا ، به خيال ظل ، وبه اراجوازات ، وبه أكثر من هذا دمى تحمل ابتسامات ، والأكيد أنه يحمل ذلك الصندوق القديم الذي كان يعرف باسم صندوق الدنيا ، وأن سيدة العبوس ليلة أمس عندما كانت عائدة من زيارتها اليومية للمقابر ، رأتها والأطفال حوله يتشقلبون ويقومون بحركات هزلية وهم يضحكون على رجل جاء متأخرا خمسين سنة على الأقل .. وهجم الأطفال واحدا أثر الآخر في محاولة لاكتشاف سر الصندوق العجيب وارتمت عيونهم عليه وأخذوا يحدقون دهشا مما يعرض بداخل الصندوق فما رأوه كان يفوق خيالاتهم ونشرات الأخبار والقنوات المفتوحة والمشفرة . كانت شيئا جديدا قديما لا تستطيع أن تعطي له تمييزا حقيقيا ، ولكن الغريب في الحدث أنه اكسب الأطفال شكلا جديدا وقد راحت ابتسامتهم تختفي ويحل محلها صمت غريب ، سيدة العبوس فقط من اتسعت عيناه وأخفت ابتسامة حاولت التسلل إلى شفتيها وهي تجري في اتجاه بيتها .
صباحا اختلفت الأشياء ، عندما انتشر خبر ضحكات سيدة العبوس التي راحت تتردد في الحيّ كله . وذهب كبراؤه إلى أن الأمر كله مستحيل ، فأطفالهم أصبحوا على غير ملامحهم المعهودة ، وماتت ابتسامتهم في الصدور واختنقت عن الشفاه . حتى عندما حاول الأهل إعادة إذاعة برنامج هزلي مضحك كانت الدموع تأخذ طريقها في عيون شباب ورجال الحيّ ، ومع ازدياد الدموع بصورة أصبحت مرئية ، حيث رأى الرائي أيا كان هو مصير أطفاله وأبنائه ، حاولوا أن يبحثوا عن الرجل بصندوقه العجيب وعن السيدة العجوز عابسة الوجه ، ولكن الأمر أصبح مستحيلا أيضا عندما انتشرت التكشيرة على وجه نساء الحيّ بلا استثناء من القاعدة . لم يتبق سوى الوصول إلى المرأة مهما كان الأمر ، قلبت الوجه في الوجوه ، وشدد الرجال على زوجاتهم أن يخرجن مكشوفات الوجه حتى يستطيعوا أن يميزوا بينهن والمرأة العابسة القديمة ، ولكن الأمر تخطى هذا بمراحل متنوعة ، ومتناقضة حيث أصبح التميز بين الزوجات شيئا مستحيلا ، فأهدت الأزواج إلى أن تضع كل سيدة أو زوجة شارة خاصة عليها اسم زوجها حتى لا يحدث أخطاء أخرى هم في غنى عنها الآن يكفي حالة الحزن الذي بدأ يزداد يوما بعد يوم منذ ظهور واختفاء الرجل بصندوقه العجيب ، المسرحيات الهزلية ، والقنوات المشفرة ، والمفتوحة لم تهد الجميع إلى أي شيء سوى الصمت .
وفي المساء تنتشر ضحكة بين القرية ضحكة عالية مرتفعة ، يحاول من يحاول أن يمسك صاحبتها ولكنها تختفي بطريقة ما زالوا يجهلونها ، ليلا تظهر فقط وتقطع شوارع الحي جريا ، كلهم شاهدوها ،ويشاهدونها ليلا ، ولكنهم للآن لم يستطيعوا أن يضعوا أيديهم عليها ، بينما راح الأطفال يكبرون يوما عن يوم دون أن يشعروا وأصبح الحي كله يمضي إلى الخرس فتكفي أن ترى وجه جارك لتشيح بوجهك عنه ، عابسا بعبوس .
قال البعض:إن هناك صندوقا آخر مدفونا في أعماق أحد البيوت به الحل.
صباحا كانوا يحفرون، ويحفرون، وتنتشر أكوام الرمل وتعصف الرياح بها..
وتمرّ الأيام والحفر في استمرار ودوام، والليل يأتي والحفر لا يتوقف، والريح تمضي.
وصباحا انتبهوا للأمر عندما وقف كل سكان الحي على أطرافه، يحاولون أن يلمحوا نهايتها، ولكن لم يصادفهم سوى بيوت مخربة، وأشلاء بيوت، ورمال تمتد وتمتد..وصباحا يرحلون، يحملون شبح الحزن على أكتافهم ويرحلون.
وتنتشر الأسطورة بينهم، إن بعضهم رأى سيدة العبوس ليلا مصاحبة لصاحب صندوق الدنيا، يمضيان ويضحكان سويا مغادرين الحيّ أو ما كان حيّا في يوم ما.

This entry was posted on 11:57 م . You can leave a response and follow any responses to this entry through the الاشتراك في: تعليقات الرسالة (Atom) .

1 التعليقات

ربما انتقل الصندوق الاسود الصغير
المسمى صندوق الدنيا مش لداخل احد البيوت بل بداخل القلوب
فعمت ظلماته النفوس
وربما عندما اختلفت العبوس ارادوا الاختلاف عنها بعبوسهم الذى ربما كان ايضا مصطنعا كابتسامتها او ضحكها
وربما هى علامات لرحيل العبوس والضحك
والنهايه المحتومه لكل شئ

القصه تدعو لاختلاقات كثيره والتفكير فيها
احييك عليها

إرسال تعليق