مات...  

Posted by: محمد إبراهيم محروس

الاعتقاد الوحيد الذي دار في عقلها أن يكون مات .. غير هذا برغم غيبته الطويلة لم يدر في عقلها .. هناك خلفية مشتركة بينهما ، هناك تفاهم خاص ، الغريب في الأمر أنها برغم سنوات ارتباطهما الطويلة لم تشعر بحزن كل ما هنالك أنها شعرت لوهلة أنها فقدته ، ثم مات بداخلها الإحساس به ، شعرت بعد طول سنوات أن المستحيل يحدث أحيانا دون وعي أو تركيز فيه .. يكفي للحظة أنها تشعر به ، يلف كيانها نوع خاص من التمرد على الأشياء ، نوع يبغضها ويحببها في الحياة ، كثيرا ما يكون دافعك للموت هو دافعك للحياة .. قامت تبحث في ملابسه عن أي أثر له ، أي دليل من رائحته ، لم تعرف لماذا شعرت أن كل شيء يمضي بها دون وجهة حقيقية ، وكأنما القدر يلاعبها لعبة ما ، شعرت بثقل في معدتها ، ثم بثقل في كل أجزاء جسدها ؛عندها تحركت باتجاه الشباك الملتفة حول بعضها في آخر الحجرة ، راحت تحاول أن تفك الشباك عن بعضها ، ولكنها اكتشفت بعد أكثر من ثلاثين سنة من العشرة بينهما أنها لم تفك الشبك مرة واحدة ، اختلط عليها الآمر وتعقد بزيادة .. ولكن بعد فترة وجدت نفسها تستعين بسكين في تقطيع الشباك؛لتجد سمكة ميتة وقد تصلبت ، ووميض غريب يجري في دمها والاعتقاد يزداد وهي تلمح البحر من نافذة الحجرة.. أنه هناك وقد مات ...


بدايات انسلاخ  

Posted by: محمد إبراهيم محروس




هنا في هذه اللحظة أكون قد بدأت في تسجيل شهادة وفاتي .. قد يبدو الأمر غريبا لدى البعض .. ولكن معي الأمر يختلف نهائيا .. منذ فترة قررت أن أجهز كل أوراقي للرحيل .. لا أعرف كيفية الرحيل نفسه .. ولكنني أحتاج أن أكون جاهزا عندما تحين نهايتي .. يجب أن أموت وأنا منته من كل ما يربطني بهذه الدنيا .. الدنيا التي لم أفهمها ولم تفهمني .. والتي ظللت فيها حائرا بين أن أمضي كالآخرين أم لابد لي من اختلاف .. أعلم أنني مختلف كثيرا عن الآخرين ، ليس نوعا من الثقة الزائدة بالنفس ، ولكنه المزيد من الضعف الإنساني الذي كتب على بني البشر .. ما أكتبه الآن يصلح أن يكون بداية لرواية عن شخص يشعر بالاختناق ويشعر بالاختلاف وقد يكون مصابا بالفصام .. ولكنني لن أسحب الحوار لدرجة الرواية أو القصة يكفي أن أقول ما بداخلي بصدق .. الصدق قد ينجي أحيانا .. الاشتعال الذي بداخلي لم يكن اشتعالا لحظيا سيمضي بمرور الوقت ولكنه اشتعال استمر لسنوات عديدة ، سنوات لم أعد أحسبها .. ربما كنت ساذجا عندما قلت إن البداية تصلح لعمل روائي لأن حياتي نفسها عمل روائي .. سأتوقف في الكتابة عندما ينتهي بداخلي الإحساس بالزمن .. الإحساس بالبشر .. لم أقل إنني متميز عن غيري هذا تلاحظونه منذ البداية .. ولكنني قلت إنني مختلف .. الاختلاف لا يعني التمييز بالدرجة الأولى .. تمر الأيام بي كما يحلو لها أن تمر ..أقف ثم أقع ثم أحبو وأعود لأقف .. ولكنني في النهاية اكتشف أنني ما زلت معلقا وجهي بطرف حذائي زاحفا على الأرض .. الصورة بعيدة عن التخيل أحيانا .. ولكنها الصورة التي أدمنها الآن وتدمني .. شهادة الوفاة التي رسمتها لنفسي منذ سنوات تأكلني بالطبع .. تأكل كل ما يمارس هوايته معي بالتذاكي .. نوع من الحيرة المتبادلة بيني وبين نفسي .. نوع من الشرود خلف الجمل بحثا عن حياة أخرى .. حياة أستطيع أن أحياها دون حمل وثيقة تثبت وفاتي .. الشعور بالألم في حد ذاته شعور جميل مرهف .. لأبد أن نشعر بالألم حتى نشعر بالحياة .. لأبد أن نكون واثقين أن الغرور البشري خلفنا وداخل عقولنا يدفعنا دوما إلى الحيرة .. أخرج بك من موضوع لأدخل في آخر .. وأنت لا تفهمني .. تريد أن تقول لنفسك أي هراء يكتبه هذا الشخص .. وأي هراء يجعلني أظل أقرأ ما يكتبه وأحاول فهمه .. منذ مدة حاولت أن أكون أنا .. وعندما فشلت بكل جدارة أن أكون أنا اخترت أن أكون أنا أيضا ولكن بصورة أخرى ، لأكن صادقا معك .. الإنسان بداخله يتركب الخير والشر في تناسج تام ومبهر .. لا تستطع أن تفصل بينهما بأدق الأجهزة وأشهدها حساسية .. ولكن عندما تقرر أن تكون الشخص الآخر الشرير .. البطل المحروق في أي عمل قصصي أو رواية يجب أن تحدد لنفسك درجة الشر التي تريد أن تصل بها ، ولكن أن تفتح الطريق لينطلق كل الشر فهذا قمة الاستهتار والمأساة .. وقتها فقط قررت أن استخرج شهادة وفاة لنفسي .. للأنا الطيبة بكل حمقها ، وكل عبثها .. شهادة تثبت أمامي وأمام الجميع أن الجنون وحده لا يكفي كي تحيا ، لأبد من بعض العقل .. وبعض العقل أخرج الصورة التي لم أكن أتمنى أن تخرج في يوم من الأيام .. الصورة بكل قبحها وشناعتها .. أخرجتني للحياة مرة أخرى وأنا أحمل وهم البطل الشرير .. هناك جزء من العاطفة في أي بشري .. العاطفة تحرك العالم فلماذا لا تحركني .. لذا التعامل مع نفسي الجديدة يجب أن يكون خارج حدود الفصام .. خارج حدود شيزوفرنيا الحياة .. الحياة .. أظن من الصعوبة بمكان أن تحدد صدقا ما هي الحياة .. تأتي مثلي من رحمها لتخرج في النهاية لرحمها أيضا تحت طبقة من التراب قد تسمع صريخا وأصوات وأنت تغادر، ولكنك لن تكون مستمتعا بالطبع أنا أحاول أن أبدو أمام نفسي مستمتعا بالموت .. مستمتعا أن حياتي السابقة قد ديست بالأقدام .. في أي منحنى من الحياة قررت أن أموت .. حقا لا أدري ولكنني كنت أكتفي أن أضع النقط وراء بعض في تميز خاص حتى أصل للنهاية يقولون إن الخط المستقيم ليس له نهاية .. المشكلة عندي أن هذا الخط المستقيم استخرج لنفسه نهاية خاصة به ، ووضع في نهايته كل ما أرفضه ، كل شخصيات الحكايات .. كل أصدقائي ، كل لحظات جنوني ، الأكثر سهولة أنه وضعهم في وضع التحفز ,وبأيديهم كل الأسلحة التي تصلح للسلخ .. كان علي أن أُسلخ وأنا حي .. وكان علي أن أقرر سالخ أم مسلوخ .. أظن أنني كنت سأترك نفسي للظروف لتعطيني حقي .. ولكن من المستحيل أن أظل مسلوخا ومعلقا من قدمي لحمة حمراء ينتف فيها غربان .. عندها قررت أن أكون السالخ .. أن أحمل بداخلي كل سواطير مشاعري وألمي أن أقتل السالخ نفسه لأصبح بطل الحكاية كلها ، ومنذ البداية .. الشعور بقلة الحيلة يدفعنا دوما للإحباط واليأس ، وقتها فقط قررت أن لا أكون مجرد يائس .. بل أن أكون قاتلا ليّ ، لنفسي أن أضع سطور الحكاية داخل مغلف من اللحم والدم اسمه قلبي وأن أفرز بداخلي عصارة هاضمة تهضم كل شيء لا يخضع لأفكاري وميولي .. أنا المجنون .. فليكن انتقامي بقدر جنوني .. ليكن أشخاص الحكاية مجرد أوراق منتهية الصلاحية .. ولتكن أوراقي جاهزة للرحيل .. سأجعل تلك الشهادة أول مرحلة وبعدها يأتي الجنون ..