Posted by: محمد إبراهيم محروس

نشرت في الاهرام .. ومجلتنا
والخط الساخن.. وافاق عربية.. وفازت في مسابقة للنشر ..وفي جريدة الوطن



وقف راسم على حدود مملكته الخاصة..أمامه لوحة يخطط منها خريطة خاصة لأفكاره الضئيلة التي كثيراً ما تجذبه إلى منطقة اللاوعى.حقل الألغام يمتد أمامه والأسلاك الشائكة تفصل بينه وبين الألغام..والصحراء تمتد إلى ما لانهاية.الشهر الفائت فقد إحدى عنزاته.منذ سنوات وهو يحصى عدد القتلى من الخراف والجمال والبشر الذين يفقدون طريقهم ويتجهون ناحية الألغام دون دراية..أعد خريطة لطريق الموت..حدد أماكن الانفجارات السابقة..ذهب الشيخ وهدان بها إلى السلطات أراد الشكوى..عاد خاوي الوفاض .لا أحد ينصت لا أحد يهتم وخريطة راسم تزداد حدودها كل شهر.الحرب السابقة تركت لهم تلك الهدية الملعونة..هدية لشعب بأكمله..الموت لم يعد يخافه منذ أسبوع أنقذ أحد أطفال النجع من الموت.رقص إلى الصباح فرحاً لما فعله.أرسل إلى الشيخ وهدان مرة أخرى خريطته، أرجعها له الشيخ قال إن السلطات لا تهتم بأرواح بعض الخراف والجمال..ويجب عليهم هم ..هم البشر الاحتراس من الألغام يكفى أنهم يرون الأسلاك الشائكة..فلماذا يتجاوزون حدود العقل والمنطق..لتشرح السلطات هذا المنطق للخراف!..السلطات طلبت من الدول التي زرعت الألغام خريطة لها...ماطلت الدول ولم تعط أي إجابة صريحة..والرقعة تزداد اتساعاً.خريطته هي الحل أنه يستطيع الآن أن يحدد مكان اللغم المقبل.بل بهذه الخريطة من الممكن أن يحدد مكان باقي الألغام .مرة أخرى يحاول أن يتخطى المعقول..مستحيل تطهير تلك المنطقة..الدولة تمر بأزمة مالية طاحنة وتطهير المنطقة يتكلف الكثير..الكثير جدا..رقم لا يستطيع أن ينطقه..لقد حدد مكان اللغم الجديد..القرية نائمة هو الوحيد الساهر بجوار الأسلاك.أشعل سيجارة وراح ينفث دخانها في غيظ..فتش في حقيبته الجلدية الساكنة بجواره على قطعة خبز ،استخرجها من الحقيبة ،جافة يابسة، راح يلوكها في حنق.سيرسم طريقه الآن عبر الحقل ..سيعبره وحده ويحدد بالجير حدود الخطوط التي لا يجب تجاوزها..بئر الماء تبعد عن القرية ثلاث ساعات مشياً سوف يختصر تلك المدة بعبوره حقل الألغام ..سيمد خط مياه من البئر إلى النجع لن يوقفه أي لغم كان ..لينتظر النهار حتى ينفذ خطته..لا...يجب أن تصحو القرية وهو على الجانب الأخر من حقل الألغام ..يقف يشير إليهم أن لا خوف الآن..يستطيعون أن يسيروا عبر الحقل غير خائفين سينقذهم من الطريق إلى الماء كل يوم في وقت القيظ ..سيرحم أطفالهم العطشى من البحث عن نقطة ماء .ولكنه لن يضمن لهم عدم موت الأغنام.خريطته الآن مكتملة.سيعبر.. القمر يضيء الحقل بضوءأبيض شحيح، رفع أحد الأسلاك وتخطى للداخل .إنه الآن داخل المنطقة الممنوعة ،ليتصرف وفق هواه.. يتحرك بثقل لا يريد أن يخطئ.سار لمدة خمس دقائق متمهل الخطوات.. واثق في النتيجة هو..عقله يرشده، قلبه يطمئنه،خمس دقائق أخرى ويعبر..خطواته زادت ثقلا عقله يلتهب بالأفكار..منطقة اللاوعى تسيطر عليه..الرؤى تراوده سيتخطى..دقائق ويعبر الحقل بأكمله..من أين يأتي هذا الثغاء ؟..خروف يقترب.أقشعر بدنه..زادت دقات قلبه، لا ليس الآن ،من أين أتى هذا الخروف الأحمق؟!..أيريد ان يرافقه رحلته؟! مستحيل!.. أن قدميه ترتعشان..الخروف يجرى عبر الحقل غير عابئ بشيء.تسمرت قدم راسم بغتة.والخروف يثب ويثب..يا للهول لقد أخطأ..أخطأ..التصقت قدمه بلغم حاول أن يرفع قدمه، اللغم يزداد التصاقاً بها..تفصد العرق عن جبينه بغزارة،مال بجزعه، الشيخ وهدان لن يصدقه الآن،بعثر الرمال حول اللغم..ضحك..أنه في طريقه إلى الموت..ضحك وهو يحاول أن ينتزع قدمه، ثم دوى الانفجار رهيباً مفجعاً..صحت القرية.والجميع يلتف حول الحقل أبصارهم لا تخترق الظلام.الكلام كثير.. حقيبته الجلدية دلت عليه..جاء النهار مفزعاً..أشلاء راسم تنتشر عبر الحقل..بينما هناك خروف يقف على الجانب الآخر بجوار البئر يلوك بين أسنانه قطعة من ورق كانت خريطة في يوم ما..وارتفع الثغاء ..
وقف راسم على حدود مملكته الخاصة..أمامه لوحة يخطط منها خريطة خاصة لأفكاره الضئيلة التي كثيراً ما تجذبه إلى منطقة اللاوعى.حقل الألغام يمتد أمامه والأسلاك الشائكة تفصل بينه وبين الألغام..والصحراء تمتد إلى ما لانهاية.الشهر الفائت فقد إحدى عنزاته.منذ سنوات وهو يحصى عدد القتلى من الخراف والجمال والبشر الذين يفقدون طريقهم ويتجهون ناحية الألغام دون دراية..أعد خريطة لطريق الموت..حدد أماكن الانفجارات السابقة..ذهب الشيخ وهدان بها إلى السلطات أراد الشكوى..عاد خاوي الوفاض .لا أحد ينصت لا أحد يهتم وخريطة راسم تزداد حدودها كل شهر.الحرب السابقة تركت لهم تلك الهدية الملعونة..هدية لشعب بأكمله..الموت لم يعد يخافه منذ أسبوع أنقذ أحد أطفال النجع من الموت.رقص إلى الصباح فرحاً لما فعله.أرسل إلى الشيخ وهدان مرة أخرى خريطته، أرجعها له الشيخ قال إن السلطات لا تهتم بأرواح بعض الخراف والجمال..ويجب عليهم هم ..هم البشر الاحتراس من الألغام يكفى أنهم يرون الأسلاك الشائكة..فلماذا يتجاوزون حدود العقل والمنطق..لتشرح السلطات هذا المنطق للخراف!..السلطات طلبت من الدول التي زرعت الألغام خريطة لها...ماطلت الدول ولم تعط أي إجابة صريحة..والرقعة تزداد اتساعاً.خريطته هي الحل أنه يستطيع الآن أن يحدد مكان اللغم المقبل.بل بهذه الخريطة من الممكن أن يحدد مكان باقي الألغام .مرة أخرى يحاول أن يتخطى المعقول..مستحيل تطهير تلك المنطقة..الدولة تمر بأزمة مالية طاحنة وتطهير المنطقة يتكلف الكثير..الكثير جدا..رقم لا يستطيع أن ينطقه..لقد حدد مكان اللغم الجديد..القرية نائمة هو الوحيد الساهر بجوار الأسلاك.أشعل سيجارة وراح ينفث دخانها في غيظ..فتش في حقيبته الجلدية الساكنة بجواره على قطعة خبز ،استخرجها من الحقيبة ،جافة يابسة، راح يلوكها في حنق.سيرسم طريقه الآن عبر الحقل ..سيعبره وحده ويحدد بالجير حدود الخطوط التي لا يجب تجاوزها..بئر الماء تبعد عن القرية ثلاث ساعات مشياً سوف يختصر تلك المدة بعبوره حقل الألغام ..سيمد خط مياه من البئر إلى النجع لن يوقفه أي لغم كان ..لينتظر النهار حتى ينفذ خطته..لا...يجب أن تصحو القرية وهو على الجانب الأخر من حقل الألغام ..يقف يشير إليهم أن لا خوف الآن..يستطيعون أن يسيروا عبر الحقل غير خائفين سينقذهم من الطريق إلى الماء كل يوم في وقت القيظ ..سيرحم أطفالهم العطشى من البحث عن نقطة ماء .ولكنه لن يضمن لهم عدم موت الأغنام.خريطته الآن مكتملة.سيعبر.. القمر يضيء الحقل بضوءأبيض شحيح، رفع أحد الأسلاك وتخطى للداخل .إنه الآن داخل المنطقة الممنوعة ،ليتصرف وفق هواه.. يتحرك بثقل لا يريد أن يخطئ.سار لمدة خمس دقائق متمهل الخطوات.. واثق في النتيجة هو..عقله يرشده، قلبه يطمئنه،خمس دقائق أخرى ويعبر..خطواته زادت ثقلا عقله يلتهب بالأفكار..منطقة اللاوعى تسيطر عليه..الرؤى تراوده سيتخطى..دقائق ويعبر الحقل بأكمله..من أين يأتي هذا الثغاء ؟..خروف يقترب.أقشعر بدنه..زادت دقات قلبه، لا ليس الآن ،من أين أتى هذا الخروف الأحمق؟!..أيريد ان يرافقه رحلته؟! مستحيل!.. أن قدميه ترتعشان..الخروف يجرى عبر الحقل غير عابئ بشيء.تسمرت قدم راسم بغتة.والخروف يثب ويثب..يا للهول لقد أخطأ..أخطأ..التصقت قدمه بلغم حاول أن يرفع قدمه، اللغم يزداد التصاقاً بها..تفصد العرق عن جبينه بغزارة،مال بجزعه، الشيخ وهدان لن يصدقه الآن،بعثر الرمال حول اللغم..ضحك..أنه في طريقه إلى الموت..ضحك وهو يحاول أن ينتزع قدمه، ثم دوى الانفجار رهيباً مفجعاً..صحت القرية.والجميع يلتف حول الحقل أبصارهم لا تخترق الظلام.الكلام كثير.. حقيبته الجلدية دلت عليه..جاء النهار مفزعاً..أشلاء راسم تنتشر عبر الحقل..بينما هناك خروف يقف على الجانب الآخر بجوار البئر يلوك بين أسنانه قطعة من ورق كانت خريطة في يوم ما..وارتفع الثغاء ..

أحلام سيد العصافيري  

Posted by: محمد إبراهيم محروس




ربما كان هذه هي اللحظات الأخيرة فى حياة سيد العصافيري
منذ فترة طويلة وهناك شيء من الأحلام ينمو بداخل سيد العصافيري ،حتى أصبح من المستحيل تحقيقها.
هذه اللحظات القليلة النادرة التي مرت على حياته دون أحلام راحت تنغص عليه كل شيء..
وتقض مضجعه باستمرار.
دومًا كان هناك جزء من الأحلام لا يستطيع الوصول إليها، ودومًا كان هناك ذلك الجزء الضائع من حياته.. فترة لم يحسبها بالزمن، ولكنه حسبها بوجودها هي فى حياته ..
أم مريم هكذا كان اسمها، وهكذا كان ارتباطها بسيد العصافيري ،حيث إنها كانت أم مريم دون مريم، التي فقدتها فى غارات النكسة الرهيبة..
وفقدت زوجها بالمثل، ولكنها ظلت محتفظة باسمها الذي لصق بها لصوقا ليس له مثيل.
كانت أم مريم امرأة بدينة جدا بدرجة مفزعة ،ولكنها فى نفس الوقت ذات روح ليس لها مثيل، روح لا تعرف من أين اكتسبتها أو من أين أصبحت هكذا، برغم أنها فقدت ابنة وزوجًا ..
كانت تلك المنطقة الشعبية تحفل دومًا بأشكال شتى من البشر، ولكن عدد قليل من سكانها فقط من تستطيع أن تطلق عليهم أفرادا، بينما الآخرون مجرد شيء زائد على الحياة ..
سيد العصافيري .. هو الآخر فقد زوجته فى حادثة سرقة .. سرقوها منه وهو يقظ وهذا هو الغريب .. الغريب فى الأمر أنه حدث أمام عينيه .. كانت حياته وقتها قرب رفح المصرية ..
وكانت النكسة .. وجد جنود الاحتلال الإسرائيلي فوق رأسه بغتة..
لمح ضفيرة زوجته فى يد أحدهم، بعد أن صمم الجندي على الاحتفاظ بها كتذكار، ولكن نظرًا لأن سيد العصافيري ضئيل الحجم جدا .. وكانت مقاومته لهم برغم شراستها مقاومة ضعيفة ساذجة .. ضحك الجنود كثيرًا وهو يحاول أن يرد زوجته إلى حضنه.. فلم يكتفوا بالضفيرة، وأخذوا الزوجة بالكامل .. بعد أن أصابوه إصابة ظل يعالج منها لسنوات وأصبح يعرج بصورة دائمة..
كان منظر سيد العصافيري بحجمه الضئيل وهو يرافق أم مريم فى تحركاتها منظرا يثير الضحك والأقاويل ..
البعض يظن أن هناك علاقة غير شرعية بينهم.. ولكن خيالهم يرفض هذا أحيانا وهم يقولون لأنفسهم: ما صورة هذه العلاقة بالضبط؟! وكيف تتم ؟!
هذا ما ظل يشغل تفكير الناس لسنوات عديدة فى تلك المنطقة الشعبية ..
ولكن الحقيقة الواضحة أن أم مريم كانت ترتاح للعصافيري، تجمعهم أزمة واحدة .. أزمة أرواح ذهبت بلا عودة.. أزمة ضمير أمة مات ضميرها..
سيد لم يكن اسمه العصافيري، ولكن لأنه افتتح محل للعصافير فى تلك المنطقة الشعبية، وبسبب حجمه الضئيل؛ اصطلح الناس على تسميته بهذا الاسم ..
ربما دار بأحلامه الكثير، ولكن لم يكن هذا الكثير يكفيه..فقد خلق ليحلم .. غابت زوجته لسنوات أصبح عدها أمرًا مستعصيًا على عقله.. ولكنه ما زال يحلم بها، ويراها كما هي ست الحسن والجمال..
وكان من المستحيل أن تتوقف أحلامه فى طريق معروف .. ربما الشيء الوحيد الذي لم يحلم به هو ارتباطه بأم مريم ..
وبرغم هذا ظل هذا حلم للكثيرين .. والبعض تصور منظرهم فى كوشة الفرح .. والبعض تصور أم مريم وهي تحمله وترميه على السرير وتبرك عليه ،وهو يرتجف من ضخامتها المفزعة ..
بغتة حدث شيء لم يتصوره أهل المنطقة أبدًا .. شيء لو دار بخيالهم لضحكوا ألف مرة ومرة..
صباحًا وفى يوم مشرق صحو على صور للعصافيري ملتصقة بحوائط المنطقة .. كأنما أصبح العصافيري هو الحلم الحقيقي فى كل أحلامه ..
بل من الصعب أن نصف حالة الذهول العام .. لقد رشح العصافيري نفسه فى مجلس الشعب ..
خير من يمثلكم العصافيري ..
الضحكات لم تنقطع .. واللمزات أصبحت شيئًا روتينيًا يمر تحت عينيه فى بساطة ..
وبغتة أيضًا وجدوا أم مريم تصاحبه فى جولاته وتنقلاته الدعائية .. بالطبع كان هذا يفوق الأحلام ..
فهو برغمه أم بغير رغمه .. صورة لا تتكرر فى الحياة ..
من العادة أن يفوز بالانتخابات شخص ثابت لا يتغير منذ سنوات..
أثناء الحملة يوزع سكر وشاي وبطاطين على الناس وينتظرون الانتخابات أحيانا.. لهذا السبب، فهي ترفع ناس وتهبط من ناس..
ولكن ماذا سيقدم العصافيري لهم .. لاشيء.. لو باع محله بعصافيره بجسده هو شخصيًا لن يقدم للناس شيئًا هنا..
الشباب والكبار اتفقوا على أمر واحد.. لقد جن الرجل .. جن بكل تأكيد،
ولكنه ظل يتنقل بينهم .. كانت وعوده بسيطة جدًا.. أنه يعدهم برجوع الأحلام.. برجوع الأحلام للجميع ..
ولكن هل رجوع الأحلام يكفي؛ ليفوز شخص مثله فى مجلس الشعب ..
وكيف تكون صورته فى المجلس .. وهل سيرتدي بذلة .. وهل سترافقه أم مريم إلى باب المجلس؛ لتعود به ..
أشياء وأشياء، خيالات مجنونة.. وغير مجنونة ..
بعض الهلاوس .. وبعض الجنون قد يكسبان الحياة طعمًا جديدًا..
وبدأت فئة من شباب المنطقة يلتفون حوله بغرض الضحك ونهاية المسرحية..
ولكن الحقيقة الواضحة أنه جن .. هذا ما كان يدور ،حتى فى خيال من يلتفون معه، ولكنهم أعجبوا باللعبة ..
مرت أيام وأصبح كثيرون يرغبون فى الالتفاف حول العصافيري .. حتى أصبح الشيء أشبه بالمسرحية الهزلية..
ولكنها مستمرة .. فى بداية الأمر ظن العضو الثابت أنها حماقة .. ولكن بعد فترة وجد أن الكثيرين يلتفون حول العصافيري بالفعل .. بل بعضهم صوره على الموبيل، وبدءوا يرسلون الرسائل لبعض فى تحركاته وكلماته وحتى إيماءاته.. وأم مريم تلصق به كظله؛ كأنها تحميه من خطر الأحلام المجنونة ..
بدأت بعض المشاكسات تدور فى الجو .. الرجل الثابت فى المجلس بدأ يستشعر بالخطر .. بل بدأ يرسل أعوانه؛ ليفرقوا الناس من حول سيد.. ولكن الأمر تفاقم.. الناس ترغب فى الضحك ويزيد التفافهم ..
وأم مريم شيء صعب، لسانها يحميه من بعض الألفاظ؛ فهي قاموس متنقل من أروع كلمات السباب فى تاريخ البشرية ..
كان الأمر برغم كل حماقته دعوة للأحلام ..أنه لا يعدهم بشيء ولا يوفر لهم شيئًا ،ولكنه أصبح حلاً لفراغ الشباب ولكثير من العاطلين..
وبدأ الأمر يقلق ويقلق ..
وحدث مفاجأة أخرى غريبة .. لقد اختفت أم مريم ..
وبدأ الناس يبتعدون ويعودون .. يبتعدون لأيام .. ثم يعودون للعبة التي أصبحت جزءًا من يومهم الطبيعي .. والبعض تمنى أن تطول اللعبة للأبد.. وأن تظل الانتخابات لا نهائية ..
ولكن سيد بعرجه المعروف ظل يتحرك بحثًا عن أم مريم .. نسى الانتخابات، والناس.. وظن أنها هي الأخرى اختطفت ولا سبيل لرجوعها.. بعض الألسنة قالت له: إن هذا حقيقي ويجب أن يتنازل للرجل المعروف..
اختفت الأحلام مرة أخرى من عقله .. اختفت لمدة طويلة وهو يدور يبحث عن أم مريم ..
ولكن المدهش حقًا يوم الانتخابات ..
لقد فاز سيد العصافيري ..فاز برغم التزوير للأصوات ..
لا يعلم أحد كيف فاز..
ولكنه ما حدث فعلا ..
ولكنه لم ينشغل بفوزه .. وظل يدور فى الشوارع بحثًا عن امرأة بدينة ضخمة اسمها أم مريم ..
وظلت الأحلام تهرب وتهرب
وفجأة ولمدة أسابيع اختفى العصافيري، وترك محله مغلقًا .. والعصافير محبوسة خلف الأقفاص تبغي الخلاص ..
الناس قالت :إن العصافير تموت بالداخل ..
البعض حزن .. والبعض قرر أن يكسر باب المحل.
ولكن كيف لهم أن يكسروا باب محل عضو فى مجلس الشعب ..
وخنقوا الفكرة ..
بعد شهور .. فوجئوا بأم مريم تدخل الحارة وهي تعرج فى مشيتها ..
كانت تدخل كأنها تشق طريقًا لها فى الحياة ..
زادت الأسئلة ..
والنهاية الغبية للأسئلة، إن عربة ضربتها ،وكانت محجوزة فى المستشفى ..
أم مريم سألت عن سيد، وعندما عرفت أنه اختفى والعصافير تموت بالداخل ..
كسرت باب المحل..
ودخلت ..
ولكنها وجدت العصافير ميتة فى أقفاصها .. وقد ماتت عطشًا ، وجوعًا ..
وفى أحد الأقفاص كان هناك عصفور صغير يقاوم الموت.. لم تعرف كيف نجا ؟!.. ولكنها سقته وأطعمته..
وفتحت باب القفص له؛ ليطير..
ولكنه لليوم يقف على باب قفصه؛ كأنه ينتظر عودة العصافيري .
وأم مريم تقف على باب المحل ..
والناس ملتفون حول الأقفاص الفارغة ..
وعقولهم تبحث عن سر ..
سر أحلام العصافيري

صدرت اليوم روايتي الجديدة أحلام نارية  

Posted by: محمد إبراهيم محروس

صدرت اليوم ..