قبلة باردة..  

Posted by: محمد إبراهيم محروس


أهلاً..انتظرتك طويلا ..لماذا تأخرت ؟..
- العمل كما تعلمين.. فهم لا يرحمون هنا..
أشارت بيدها, وهزّت رأسها ,أنها تفهم بكل تأكيد.وقالت وهى تعطيه ابتسامتها المعهودة:- سوف اسخن لك الطعام مرة أخرى لقد برد..
قال متعاطفا:- كلا سأكله الآن كما هو..لا داعي..
إنها أيضا لم تكن تستطيع أن تقف على قدميها ؛لتعيد تسخين الطعام, ولكنها أجبرت نفسها أن تعرض عليه الأمر.. وقد أراحها بجوابه. أنهى طعامه..وقام ,أشعل سيجارة ,واتجه إلى المكتب ,فرد أوراقاً كثيرة ..وشرع فى العمل .يطلبون الأوراق غداً .ويجب أن ينتهي منها.. اقتربت منه ,وضعت كوباً من الشاي أمامه .. تحسست شعره بيدها ,رفع رأسه, ثم أمسك راحتها, ووضعها على فمه وقبلها..تركت راحتها لبرهة بين شفتيه, ثم سحبتها برفق. .. انصرفت ؛لتتركه لعمله الذي لم ينته , ولن ينتهي منه منذ وطأت أقدامهما أرض هذا الوطن الغريب. خمس عشرة سنة وهما هنا..مروا عليهما كأنهم قرون .
كل سنة يحلمان بالعودة إلى أرض الوطن.. ولكن يأتي الحلم بصعوبة.
أحلامهما تتعثر ,ثم تستقيم, ثم تعود للتعثر ,وهكذا الأيام تمضى.
جلست أمام التلفاز تتابع حوار المذيعة اللامعة مع ضيوفها"الحياة أصبحت مفتوحة أمامنا رغم كل الضيق الذي يسيطر على مشاعرنا العالم أصبح قرية صغيرة.وتتشابه الأسماء والأزمنة وتختلط المفاهيم فى عقول الناس ولكن لابد للعودة إلى رحم الحياة الأم إلى بكوريتها ولحظات التنفس الحقيقي"
ما كل هذا الذي قاله العالم المهيب..والمذيعة تهزّ رأسها موافقة.. مصمصت شفتيها وغيرت القناة صوت ذلك المطرب لا يعجبها به رنة مزعجة.. قامت بتحويل القناة مرة أخرى..اللعنة!
ألم تحذف هذه القناة من القائمة أمس؟!..تعلقت عيناها بالقناة للحظة,ثم سارعت بحذفها مرة أخرى مرت على القنوات سريعا. لا شيء, لا شيء جديد. أغلقت التلفاز ,وقامت إلى المطبخ متثاقلة..جهزت العشاء وانتظرت برهة قبل أن تلج فى غرفة المكتب..مازال منكباً على أوراقه.تنحنحت قال:- قاربت الانتهاء,نصف ساعة أخرى
قالت:- لقد جهزت العشاء.
قال فى لامبالاة وهو يواصل عمله:- كلى أنتِ أمامي بعض الوقت..
انسحبت من أمامه, ودخلت للمطبخ مرة أخرى ,غطت العشاء. منذ متى لم يجمعهما والخبز وقت..سنوات طويلة, تنهدت فى حسرة ولم تتناول لقمة..قررت أن تنام ..دلفت إلى حجرة النوم.. ارتمت على السرير.
لم تشعر بالبرد هذه الليلة وبتلك القوة؟
راحت الذكريات تتوالى ..أحلام الثراء ،أحلام السفر، الغربة بكل ما فيها من ضغط ومرارة ،والأطفال الذين يرفضون أن يجيئوا فى تلك البلد ..زيارتها للطبيب لعدة مرات حتى ملت الأطباء.
قال الطبيب:- لا مانع لديك من الحمل وزوجك كذلك.. أهم شيء الراحة النفسية لكما معا..
ومن أين تأتى هذه الراحة التي تكلم عنها؟ !
جسدها يرتعش تحت الأغطية الكثيفة..دمعة تسللت من عينيها وفرت تبغي الخلاص. لقد تحملت الكثير, تحملت فوق طاقتها, ولكن ماذا أمامها لتفعله؟
صوت حركة أقدامه فى الصالة ؛جففت دموعها التي بدأت فى الانحدار..من الجلي أنه أنهى عمل اليوم،ذلك العمل الذي لا يدع فرصة لهما ؛ليعيشا حياتهما الخاصة..سيذهب للمطبخ الآن ..ويتناول عشاءه فى سرعة,وكأنه يؤدى واجباً مملاً,ثم يذهب ليفتح التلفاز ..سيقلب القنوات سريعاً, سوف يُلاحظ أنها حذفت تلك القناة الملعونة ؛سيضحك..
تعلم أنه سوف يثبتها مرة أخرى ،ثم يشاهدها لدقائق بحكم التأكد من التثبيت..ويغلق التلفاز..ستعيد فى النهار حذفها ..هكذا تمضى الأمور بينهما منذ سنوات.
خطواته تقترب من باب غرفتها ..سيفتح الباب الآن ,ويدخل يحاول إلاّ يزعجها ..
ستلتف بجسدها إليه وتنير اللمبة الصغيرة بجوار السرير ليعرف أنها لم تنم بعد..وتتقابل العيون والابتسامات .ضحكت وهو يقول : - لقد انتهيت..
اقترب منها وضع قبلة على جبينها ..أزاح طرف الغطاء .ودلف للسرير..لثم جبينها مرة أخرى وأعطاها ظهره وذهب فى النوم. ما زال النوم بعيداً عن عينيها.
بينما ارتفع شخيره وهى ما تزال ترتعش وتتساءل لماذا تشعر بكل هذا البرد ..لماذا؟!

أنثاي الخاصة..  

Posted by: محمد إبراهيم محروس







ظننتُ لفترة طويلة أنني إنسان عاقل, مَنْ منا كان يشك يوما إن عقله سليم بدرجة كافية؟


قابلتها اليوم في الجامعة كالمعتاد, نظرتْ لي وهى تحاول أن تتبين ما وراء ملامحي الجامدة, هذا القناع الذي يعرف الجميع أنني شديد التمسك به،أنه قناع حياتي كله, لم أدع أنني مثالي أو إنسان يفوق الوصف, بل أنا ممل إلى درجة مدهشة.. ملل لا يتصوره عقلكم مهما جاد العلم بداخلها.


كنت أريد أن أعترف لأي إنسان, أعترف بماذا؟.. بأي شيء.. مَنْ منا ليس لديه شيء خفي يريد الاعتراف به ؟..مَنْ منا يفهم طبيعة نفسه البشرية؟!..


لا أحد على ما أظن, لم يولد بعد الإنسان الذي يدعى أنه يفهم نفسه.


أقول لك دعك من الملل وما به, دعك من الحماقة, التي كنت أعيشها, وأفترض أنى مثل الجميع يجب أن أعيشها بهذه الصورة, دعك من كل ما أقوله من هراء يكفى أن تعرف أنى مجنون بنفسي إلى درجة رهيبة, مجنون إلى أقصى حد, وأبعد مدى, لذا كانت هي مثل الآخرين لا تفهمني, أو أستطيع أن أقول: إنها لم تفهمني بالدرجة الكافية, أمس سألتني ماذا يدور خلف عقلك هذا؟ ماذا تخفى من مشاعر؟


يجب أن أقول لك أيضا إنها تربية يدي, استقبلتها منذ أول يوم في الجامعة استقبالاً يليق بجمالها المدهش ..


استغربتني كالجميع, لا أزعم أنني كنت مكروهاً وسط الطلبة, بل كنت شخصاً يلتف حوله المحبون, لدى من الأسرار ما يفوق الحد, بل لدى خبرة بالحياة لا يعلمها أيًّا منهم, ولن يستطيعوا أن يفهموني بالطبع, لذلك كنتُ دائما ما اختار أن أكون بطلا لحلقات النقاش.. ولكنني فوجئت بها بيضاء تماما ..


ليس لون بشرتها, بل عقلها كان أبيض, كان عقلاً فارغاً لا يعرف عن الدنيا شيئاً, لذلك دخلتُ في تحد مع هذه المخلوقة الجميلة- أنثاي الخاصة - دخلتُ لعبة سوف تستمر لسنوات الجامعة, تحداني رشدي وقتها قال لي: لن تستطيع أن تخلق منها شيئاً.. أتظن أنها قصة من قصصك أنها بشر لحم ودم, الطبع يغلب التطبع يا صديق..


قبلتٌ تحدى رشدي, قلتُ له: أعط لي نصف سنة بعدها أسألني عنها وأتحداك أن تجاريها وقتها, لك هذا منى.


مرت شهور عديدة.. نسى رشدي فيها التحدي, ولكنني لم أنس, ظللت أمارس معها كل ضغوط النفس البشرية, كل لحظات الحب, والعذاب .


قلتُ لها يوما: لو لي قلب أعدك وقتها أن أحبك, ولكن عندما يظهر لي أن لي قلباً..


جُنتْ ..كيف بعد أن ذابتْ حباً فيّ أقول لها هذا؟ بل كيف أستطيع أن أقول : إنني لا أحبها.. مجنون أنا؟!


كلاّ الأمر ليس بهذه الصورة صدقني, ولكنني فوجئت فعلا أنى لا أملك قلباً, بل لا أملك أي إحساس بالحب..


قال لي رشدي :أنت إنسان ميت, مَنْ بلا قلب مثلك إنسان ميت بالتأكيد ..

لا أعلم ،ولكن الحقيقة كانت أكبر من علمي.. أكبر من فرويد ونيشه..أكبر من كل فلاسفة العالم..

وقفت أمامي الآن تحاول مجاهدة أن أنطق أن أقول أي شيء, ولم أكن أملك شيئاً لأقوله, ولكنني صمتُ مدة, بدتْ لها كأن جسراً من الموت قد قطع الطريق بيننا, جسراً لن تستطيع عبوره مهما حاولتْ, أو بذلتْ من جهد.. الآن نظرتْ لي نظرة وحيدة, وهى تحاول أن تلفت نظري لشكلها الجديد.. منذ أيام قالتْ لي ماذا تريد في أنثتك الخاصة ،ماذا تبغي منها.


وجدت نفسي أقول مازحاً: أريدها أرضاً بكراً, لم يطأها بشر, أريدها امرأة كاملة, أنثى خاصة, أريد فيها بكارتها الأولى, وأريدها فتاة ليل (نطقتُ الكلمة بالإنجليزية).


انعقد حاجباها وشهقتْ لم تتصور مدى جنوني, قلتُ لها لا احترام بين الرجل وزوجته في غرفة النوم, جُنتْ، قالتْ: أنت شاذ.. نعم تفكيرك شاذ وتدعى أنك العالم بكل شيء ولا تعلم شيئاً.


قلتٌ: أريدها جميلة, وذات دلال, أريدها نجلاء فتحي في أنوثتها المتفجرة..


بعد أيام وجدتُ إحدى الفتيات قد عقصتْ شعرها بطريقة معينة بدأتْ غريبة على وجهها ..ولكن عندما اقتربتْ منى وقالتْ: طارق إلاّ ترى شبهاً بيني وبين نجلاء فتحي..


ارتفع حاجبي وقتها في ذهول ..إذن هي لم تع كل ما علمته لها. قالتْ لصاحباتها على تفاصيل أنثاي الخاصة, تريد الآن أن تفهم لماذا أقابلها بهذا البرود.. ولماذا أبدوا قاسياً في التعامل معها..


أنها لم تفهم من البداية, أنها لم تكن أنثاي الخاصة قط, تركتني ..بل تركتني بلا أي وداع...


اليوم أجد رشدي يربت على كتفي, بل يحتضنني ويقول: إني صنعتُ منها أنثى جميلة, فتاة لأحلام أي شاب, وإنه خسر رهانه معي وأن خطوبتهما غداً


كلاّ..مستحيل, مستحيل صدقوني الآن, وأنا أنزف خوفاً ورغبة, صارخاً في الوجوه, كلاّ أريد أنثاي الخاصة أريدها أنها من صنع يدي ،أفكاري، حياتي ،خبرتي، أرضى البكر.

مضيتُ في الحياة, وأنا أكاد أجن, بل تستطيع أن تقول: إن الجنون أصبح أحد صفاتي, وما زلتُ أبحث عن أنثاي الخاصة دون جدوى


أعينوني..أعينوني




الرجل الذي لم.......  

Posted by: محمد إبراهيم محروس


الرجل الذي لم ...
لا أعرف لماذا خرجت مبكرا ..شيء ما دفعني أن أترك شقتي اليوم قبل موعدي بساعات ، استقر بي الحال في تلك الحديقة التي أدمن الجلوس بها في أوقات الراحة والاستجمام ، راحت عيناي تجوبان الأفق وكأنها تبحث عن استقرار آخر خارج حدود روحي .
أخذت أتطلع من مجلسي إلى إشارة المرور بألوانها المميزة ، وأضع ترتيبا لحياة مع تغير ضوء الإشارة ..الأحمر ، نزقي وغروري بالحياة ، الأصفر.. لون أحبه ولا أعرفه جيدًا ، الأخضر.. الحديقة حولي واخضرارها ، لعبة أن تلعبها..
لمتى ستظل الإشارة أمامي حمراء ؟!
بعد مدة لاحقني فيها الشرود بإصرار ، تركت مكاني ، ورحت أسير على غير هدى ، لا أعرف لماذا ، أو إلى أين أمضي ، لتسوقني قدماي حيثما تبغيان ..
كنت أعبر الشارع شاردًا، وفجأة اصطدمت كتفي به، تمتمت بصوت هامس:" لا مؤاخذة "
كان يسير بصحبة زوجته، وطفلين..
وتحركت قدماي عندما جذبتني يده بعنف ،وهو يحدق في قائلا : - غير معقول ..أنت َ .. أين أنت يا رجل؟!.
حاولت أن أتذكر من هو، وأنا أرسم ابتسامة بلهاء على شفتي، فلم أفلح وأنا أقول: - موجود..
تركت له دفة الحديث وهو يقول: - زوجتي سهى..
قلت بهدوء وأنا أتطلع للون الإشارة:- أهلا وسهلا..
ابتلعت ريقي بصعوبة عندما اصطدمت عيناي بها ،وهي تمد يدها بالسلام ،قبل أن تخفض بصرها للأرض ، وهو يقول : عندي مريم ومحمد ..تزوجت؟.
بلعت سؤاله، وأنا أهزّ رأسي ولا أعرف هل فهم من هزة الرأس أنني متزوج أم لا..
قال وكأنه يعطيني تقريرًا مفصلا عن حياته:- عندي شركة في شرم الشيخ.. مقاولات ، سافرت سنتين ورجعت ، قابلت سهى ، وتزوجنا ..
لم أعرف بما أجيب أيضا ؛فاكتفيت بهزة الرأس ،وأنا ألمح بطرف عيني سهى زوجته ، كانت تختلف بالكامل عن سهى التي عرفتها زمان ، والتي ذقت من بين يديها أول معرفتي بالحب , كيف كانت علاقتنا أنا وهي ، ما زالت مطرقة الرأس ، وما زلتُ أنا شبه شارد خلف الطفلين والإشارة التي تتبدل كل دقيقتين ، أشعر أن الوقت قد توقف بي؛ لأتذكر ذلك الوهم اللذيذ ، والخدر الناعم للحب ، قبل أن أتصادم بواقع الحياة ، ربما وصلت مع سهى لأروع ما يكون الحب والعطاء ، لأغلى لحظات التمني والعشق ،إلى أجزاء في جسدها لم يصل إليها زوجها ..
شيء من الجنون أن أخرج مبكرا..
قال وهو يلاحظ نظراتي: مستعجل ؟..ما أخبار الشلة؟.
لم أعرف ما هي الشلة المقصودة بالضبط، فأنا دوما لم تكن لي صحبة ثابتة، دوما حياتي مجموعة من المتغيرات قلتُ هامسا:- لا أرى الكثير منهم..
قال في انتشاء وكأنه يريد أن أنقل حدثًا هامًا: سلم لي عليهم.. أرجوك ..
قلت محاولا الخروج من مأزق الوقوف: ضروري..
قال وهو يلمح زوجته تحاول بهز قدميها أن تقول له، كفي هذا: العربي فين حاليا..
قلت مسرعا دون تفكير : هاجر ..
- خسارة.. معك تليفون ..
- سرق مني كالعادة ..
- ها ها ها .. هذه نمرتي اكتبها..
رحت أفتش في جيبي بحثا عن ورقة وهو يناولني قلمًا ، وأنا أبتعد بعيني عن سهى قد الإمكان وبداخلي يرتجف .. وأخيرا لم أجد سوى علبة سجائري لأدون عليها رقمه، وهو يقول: ضروري تتصل.. منتظرك ..
هززت رأسي، وتقابلت يدي بيده في سلام، ثم بالمثل مع سهى، وداعبت شعر الصغيرين بيدي، وهما يسيران، وقتلني إحساس بالوحشة لا أدري من أين أتى, إحساس قاتل..انتبهت له وهو يركب سيارته الواقفة، وسهى تخفض من نظرها ساحبة الطفلين خلفها، لمحت أشارة المرور وهي تفتح.. أشعلت سيجارة ورحت أنفثها، والذكريات تمزق ملامح حياتي لذرات غبار.. الضوء الأخضر، والسيجارة المشتعلة بين أصابعي، وعلبة السجائر التي بين يدي، والتي انتبهت أنها أصبحت فارغة؛ فرميتها على الأرض، وأنا أحاول جاهدًا أن أتذكر من هو..

الجنية والمجذوب  

Posted by: محمد إبراهيم محروس


الطريق إلى قريتي شاق والترعة الغربية تقسم القرية إلى نصفين ..

لا بد لمن يريد أن يذهب إلى عمله كل صباح أن يركب معدية بدائية

معلقة بين ضفتي شاطئ الترعة تسير بواسطة جنزير معدني

ضخم .. يعجز أشد الرجال على أن يعبر بالمعدية وحده ..تعجز يد

أقوانا على شد السلسلة المعدنية لأكثر من دقيقتين .. الوحيد من

أهل القرية الذي يستطيع أن يعبر بالمعدية وحده هو " محمد

المجذوب " .

لم نعرف تحديداً متى سكن قريتنا ، بل ليس هناك أي تاريخ عائلي له ، لقد إنتبهنا يوماً إلى وجوده في المعدية .. كنت وقتها لم أزل طفلاً صغيراً لم أتجاوز الخامسة من عمري .. سكن محمد المجذوب المعدية ، أخذها مسكناً وملجأ له .. ينام فيها ويصحو بها ، ويديرها وحده ، ويساعد الجميع على العبور.
الجدة كانت تمنعنا من الإقتراب من الترعة ليلاً .. فالترعة مسكونة والجنية تخرج كل ليلة لتصطاد ضحاياها .. كثيراً من الحكايات سمعتها ..الجنية تخرج ليلاً عند إكتمال القمر وتختار ضحيتها بعنايه و دائماً ما يكون شاباً يافعاً وتأخذه في أحضانها وتذهب به إلى مملكتها في باطن الترعة حيثُ يعيش معها فترة في نعيم قبل أن تتسلى بقتله .. وكلما غرق أحد شبان القرية لسبب لا نعلمه إزدادت تحذيرات الجدات لنا بعدم الإقتراب نهائياً من ترعتنا .. ظلت تلك التحذيرات محفورة في ذاكرتي إلى الآن ..لم أقترب من الترعة ليلاً أبداً .. حتى عندما كبرت قليلاً وعرفت أن حكايات الجدة وهم .. كنت أخاف لسبب لا أدرك كنهه من الإقتراب من شاطئ الترعة ليلاً .. مرت السنون وكبر بي السن أصبحت رجلاً يتباهى بي سكان البيت .. ولسبب طارئ كان لا بد لي من السفر ليلاً ، وكان لزاماً أن أعبر بالمعدية .. فلم تمض بقريتي حالة العمران ولم يتم إنشاء كوبري يربط بين طرفي الترعة .. كأن السلطات تجاهلت أمر قريتنا تماماً ..أقتربت من الشاطئ بحذر وترقب ، وكان محمد المجذوب يتوسط المعدية ويمسك الجنزير المعدني في قوة يحسد عليها رغم كبر سنه ..
دلفت إلى المعدية وأنا أبتلع ريقي في صعوبة ، كنا خمسة رجال وامرأتين وبغلاً ، دعتنا الظروف إلى ركوب المعدية في ذلك الوقت من الليل .. تذكرت إحدى حكايات الجدة بأن الجنية تزوجت المجذوب .. فضحكت .. ولكنني كنت أرتجف من البرد .. ولكن الحقيقة إنني أرتجف خوفاً من شئ لا أعرفه .. وتساءلت بين نفسي متى ينام المجذوب ؟! .. لا أحد منا رآه أبداً نائماً .. وطفقت في خيالي صورة عجيبة ..ربما كان حقاً زوج الجنية التي طالما حذرتنا منها الجدة .. وقهقهت هذه المرة في صوت عال .. أثار انتباه الرجال .. بينما مصمصت إحدى المرأتين شفتيها في صوت مسموع .. حاول أحدنا أن يساعد المجذوب في عمله ، ولكنه رفض بشدة وقال :إنه مازال بكامل صحته ..
ومع إصرار الرجل على المساعدة ؛سمح له المجذوب على مضض .. وبغته ارتجت بنا المعدية .. صرخت المرأتان .. وقفز البغل في مكانه ،وراح يرفس وصاحبه يمسكه في قوة قدر الإمكان، وفجأة وجدنا المياه تغمر المعدية ..
إننا في نصف الطريق ؛أعمق جزء من الترعة .. ازداد الرعب بداخلي وصرخت أنا الآخر ؛ فإنني لم أتعلم السباحة في يوم ما ..الوحيد الذي لم يظهر الخوف عليه كان المجذوب الذي تسمرت يداه على جنزير المعدية .. ولكن للأسف أخذت المعدية تغرق .. وصلت المياه إلى أذقاننا .. ثم غمرتنا .. لا أذكر شيئاً بعد ذلك تحديداً ، غبت عن الوعي وعندما أفقت وجدت نفسي على الجانب الآخر من الترعة .. ولكن من رأى الموقف على الشاطئ الآخر وهم كثيرون .. زعموا أن المجذوب ظهر له جناحان ،وأن يده تضخمت إلى حد رهيب ؛حتى غطت المعدية كلها؛ ثم حملنا على جناحيه وبين يديه وعبر بنا الترعة .. الوحيد الذي نجا وحده هو البغل .. لم يصدق عقلي هذا .. ولم أفهمه أبداً .. ولكن الغريب أن محمد المجذوب اختفى من يومها ولم يصبح له وجود نهائياً ..
والحواديت تتوالد وتتوارث كل يوم ، وما زلتُ في انتظار أن يظهر المجذوب مرة أخرى دون طائل..

رسالة إليك .. رسالة إليه ..  

Posted by: محمد إبراهيم محروس

عندما أكون محبطا فهذا ما يدعوني للكتابة.. دوما أجد أن الطريق الأساسي لحياتي أصبح كمية من الفشل والإحباطات المتتالية ليس هناك بديل آخر لي سوى أن أزيد من جرعات التفاؤل، ولكن دوما ما ينقلب الحال لضده؛ وأجد أنني أقف على تلك المنطقة الوسطى ما بين الملل والاختناق .. كل ما حولي يدعوني أن أكون ساخطًا..أشياء كثيرة جدًا سوف أصدع دماغك بها لو قراءتها عليك ، يكفي شعوري بالإحباط ودرجته وما تشعره أنت من كلماتي حتى تعرف إلى أي مدى وصلت بي الحال صديقي .. نعم أنت .. دوما ما أجد أنني فاشل أيضا في توصيل صدق مشاعري للآخرين.. عندما أمر بهذا الأمر أجد أن أفضل ما أفعلة أن أنزوي.. أخذ ركن داخل نفسي للانزواء .. يكفيني ما أنا به من ألم .. فلا يجب أن أزيد من الضغينة بيني وبينك لمجرد أنني أود الكلام معك.. الإحباط ذاك العامل النفسي الذي لم يجد له العلماء تفسيرًا ولكنه الحقيقة.. كل شيء حولنا محبط، فلماذا تطلب منى أنا أن أكون مختلفًا, الحياة بالنسبة لي لغزًا لا أفهمه ولا أحاول فهمه، لأنني عندما أفكر في فهمها يزداد الضيق بداخلي؛ وأفقد الكثير من عالمي.. رضيت يومًا بالاستسلام لهذه الدرجة من الشعور بالتدني إذن لأقبل صاغرًا .. لا داعي لكي أدعي البطولة وهي ليست فيّ .. منذ صباح ماضي وأنا هكذا ، بل منذ عدة أصبحة .. حتى أصبح العد بالنسبة لي لا جديد.. لماذا أحصي أيام فشلي، وأيام ضعفي وأيام انكساري.. لحظاتي مع الفرح معدودة وظالمة دومًا ، حتى وأنا أرتكب فعلا قد يقلل من نفسي أمام نفسي.. أشعر أنني بارتكابي لهذا الفعل حتى لو كان في نظر الآخرين شيئًا لا ضرر منه أجد أن الاقتراب من الموت هو الحل الوحيد ، بل أرى الضعف يكسر نفسي يوما بعد يوم .. هل تعودت يا صديقي أن تكون هكذا أن تعترف بأخطائك أمام غيرك.. للأسف أنا غيرك.. أنني أعاقب نفسي على الخطأ قبل أن أعاقبك معي.. ما ذنبك أنت لتكون صديقي.. هكذا أنا نشأت بيني وبين الحق شعرة لا أريد أن أكسرها ، ولكنك دومًا تجبرني بكلماتك لي أن أحدد مدى تلك العلاقة ، بل تضع شروطا لعلاقة الصداقة .. إلاّ يوجد في هذا الزمن صداقة بدون شروط ؟!.. إلاّ يوجد؟!إذن كان العيب فيّ.. فهذا ما نشأت عليه وأن كان العيب فيما حولنا ، حتى أصبح مجرد أن أناقشك تفكيري ظلم وجريمة أن أقول لك عما يجعلني متفائلا ، وعما يسلبني شخصيتي ، ليكن الاعتراف أمام نفسي كاملا ، لا داعي لتزويق العبارات والجمل ،أنا إنسان هش .. هذا حقيقي للأسف لك أن تقبل به أو ترفضه ، أنا إنسان غير مميز في أي شيء حتى درجة تميزي عن غيري هو نقطة ضعف ليست في صالحي لماذا أريد أن أكون مختلفا ومميزا .. هه لماذا ؟!!بالطبع لا أجبرك على أن تجيبني؛ فانا أعلم مسبقا أنك لا تعلم وأنت تدرك جيدًا هذا..لحظات الألم..هل استمتع بها يقولون أن هناك نوع من البشر يجد اللذة في أن يعذب نفسه.. هل كنت أنا منها يا صديقي.. هل اخترعت مبررات لحياتي أو لحياتك.. ما معنى الحياة في الأساس .. أعطيني تعريفا بسيطا لمعناه بعيدا عن كل كتب الفلسفة والشعر وقصص الآخرين.. منذ فترة وأنا أحاول أن أمهد لتعود لي صديقا كما كنت.. ولكنني كلما مر الوقت اكتشف ببساطة أنني أحرث في مياه محيط جاف.. محيط تشقق بداخل نفسي عن يأسي بالاستمرار.. ربما كانت تلك رسالة انتحار .. ليس الانتحار دوما بالقتل .. ولا بالسم.. الانتحار الآن مجرد قرار بالاستسلام سوف استسلم.. استسلم للحياة، سوف أتركها تعبث بي كما تفعل دوما فما الجديد، هل حرنت مع الدنيا من قبل، فعلتها أنا كثيرا، حتى مللت اللعبة واكتشفت في نهاية المطاف أنني اقتل نفسي بالبطيء ، سلمون وشن إلا تنطق هكذا.. للأسف أنا يجب أن أعترف أنني لا أجيد لغة للحوار غير لغتنا العربية ، كلماتها برغم سخائها الواسع معنا ضئيلة بل ضعيفة أمام ما يدور بداخلي تجاه هذا العالم .. لن أزعم البطولة كما قلت لك ، ولن أقدم لك مبررات لفشلي في كسبك وكسب غيرك ، من يرغبني كما أنا فأهلا به ، هذا ما أعتدت عليه ، وهذا ما عرفته نفسي لنفسي، ولكن للأسف لا أحد يريد أن يقبلك كما أنت .. منذ مدة ، أو منذ زمن أو منذ فترة أيا كانت المسميات فقدت آخرين غيرك لمجرد صراحة غبية كما أطلق عليها آخر عندما علم بالفقد .. الشعور بالانكسار مؤلم يا صاحبي ، ولكن لتشعر به معي ربما ، وأقول ربما ,, لأن ما حدث بداخلي تجاه الآخرين من الصعب تجبيره بكلمات وجمل ساذجة من نوعية أنت حبيبي وما شابه ,, الانكسار بداخل النفس ليس مجرد كلمة تراها أنت مكتوبة أمامك الآن، ربما تحسها، وربما لا تحسها ، لم أجد بعد تلك الجملة التي تعبر عما يمور داخل نفس مجنونة مثلي ، نعم أعترف أمامك وأمام الآخرين أنني شخص مجنون بمعنى الكلمة وأدرك نهايتي للأسف ..ربما كنت الإنسان الوحيد الذي يدرك نهايته كالقاتل تماما ، فالقاتل وهو يرتكب جريمته ومهما فر يدرك بداخله أن هناك لحظة القصاص، وأنه سيقع وسيدرك نهايته .. للأسف اكتشفت هذا بدري كما يقولون كان يجب أن يتأخر بي الوقت للحظات الاكتشاف، ربما وقتها قد أكون شخصًا آخر في مكان آخر، وبالطبع ليس في زمن آخر..لأحدثك بصراحة وهذا ما قد يغضبك ، ولكن لتكن بذرة جديدة أبللها بريقي ربما نبتت يوما ما برعما صغيرًا ،أيا كان ما يدور بخلدك كما يقول الأدباء والمفكرين فأنا لست بهذا الشخص الذي تظنه ، لست ضعيفًا، ولست غبيًا ، ولست بأخر شخص يفهم طبيعة نفسه ، بالطبع الكل يظن أنه أنصح من في الكون، وأنه من يولد الكتكوت صقرًا ، ولكنني أقولها لك وبدون مجاملة لست الشخص الذي تظنه ، ولست بهذه الطيبة التي أزعمها أمامك ، ولست بهذه الصراحة أيضا التي أدعيها .. هناك دوما نقط وخطوط حمراء لا يجب تجاوزها في الصراحة حتى لا تمثل عبئا أضافيا على حياتك.. اسمع مني أرجوك ، وأعطني الفرصة لأتكلم أنا اليوم.. أريد الكلام ، قد أكون قد أتيت بجملة من الشرق على جملة من الغرب لكي أكون أمامك جملة تقرؤها أنت وتمصمص شفتيك عجبا ، ولكني أطمئنك أنني لن أبحث في قواميس اللغة عن لغة، ولكن أبحث بداخل صدري عن قلب آخر ، يكفيني قلبي ويكفيني أنني أشعر به ، برغم ضعف نبضاته أحيانا وبقدر عصيانه لي في أحيان كثيرة لدرجة أنني قلت علية قلب....أنت تفهم طبعا لا داعي لتكملة النقط حتى لا أثير اشمئزازك بقراءة كلمة لا تحبها ، ولكن هذا قلبي ، قلبي ال.....ليكن سأعطي لنفسي فرصة كي أقول لك كل شيء ومنذ البداية، بداية النهاية كما أطلقت أنت عليها.. الشعور بالملل من الاستسلام لرغبات الآخرين، ربما لم تكن أنت وقتها من الآخرين.. ولكن مع مرور الوقت اكتشف أنني ما زلت تلميذا صغيرا ينتظر أن يعطيه أبوه مصروف المدرسة ليحمل شنطته المكتظة بالكتب والتي تثقل ظهره ؛لينحني أمام الآخرين ؛حتى أصبح كسر ظهره طبيعة فيه ، لأكسر نفسي كما اعتدت على عتبة من زجاج .. ربما لا تفهم التعبير وما معنى أن أكسر نفسي على عتبة من زجاج .. ولكن يكفي أن تعرف أن الاستسلام بالنسبة لي، موت.. هذا ما يجب أن تعرفه فعندما تعاملني بعد هذا يا صديقي أعرف مسبقا أنك تعامل شخصا ميت.. مجرد جثة تتحرك تعد أيامها الأخيرة على ظهر الأرض ، ملايين البشر لم يفهموا معنى الحياة.. أأنا الميت الحي افهم؟!!! .. مستحيل يا صديقي!! .. علماء دين، وعلماء فلك، وعلماء من كافة الأنواع حتى ظننت أن العلم يباع لدى البقال، وكلهم خرجوا من هذه الدنيا بخفي حنين.. آآآآآآآه ..آآآآآآآآآآآآآآآآآآه بجد .. آه تصرخ تمزع كل اللي جوايا... ياااااااه هل خروج الروح سيكون بهذه الصعوبة؟!. . يااااه يا صحبي لو أعيش، لو أرجع إنسان من جديد .. صدقني مشتاق للحظات أنني أرجع إنسان ، إنسان بجد ، إنسان مش خايف ولا مرعوب .. تصور أنني نسيت طعم الخوف ، الرعب .. الشعور بالخوف أفتقده ، زمان كنت أخاف من كلب يجري في الشارع ،أخاف من عسكري المرور ، أخاف من نفسي لتغلط ، حاليا مات الشعور بالخوف ، مات للأسف تصور أن الشعور بالخوف مطلوب ، عارف لما يهرب منك الشعور بالخوف الحياة نفسها بتفقد جزءا كبيرا من معناها ، بتفقد لحظات اللذة وأنت بتجري من كلب مسعور خائف منه ، وبعدما تنجو بنفسك من أنيابه تقف لتأخذ نفسا طويلا وتعبئ صدرك بالهواء وقتها الهواء بيكون مختلفا تماما ، تشعر بلسعة الهواء وهو يشق صدرك آخذ طريقه للرئة ، الآن ماتت هذا اللحظات أصبح الهواء ثقيلا يدخل تقيلا ويخرج ثقيلا ، مجرد أنني أتنفس ، شهيق وزفير .. مدرس العلوم قال هذا ، شهيق وزفير .. من أعطى هذه المسميات للأشياء .. من الصعب تخيل حدود اللغة ، اجلس يا صديقي ما زال الحوار بيننا طويلا ، لن أتركك حتى تقول حقي برقبتي ..هههههههههه دعابة مملة بالطبع، ولكنني أحاول أن أتنفس حتى الدعابات، أي شيء يا صديقي أتنفسه، الهواء لم يعد يكفيني، كيف ؟!لست أدري ؟!اسم أغنية على ما أظن ، لست أدري ؟.. اجلس خذ راحتك..هه ، وصلنا لأين ، أظن أننا لم نصل إلى أي شيء بل وقفنا ، وقفنا ننظر لبعضنا أن نخطئ أن نهفو لنقوك : عندك ... لا أسمح لك ..عندما تدخل لا أسمح لك بين الأصدقاء فهي بداية النهاية ، وهي نهاية البداية .. يقولون لكل شيء بداية ونهاية، ولكل طريق نهاية.. ولكنني للأسف اخترت أن أحفر وسط الطريق ، أن أثير زوبعة من الرمال؛ لأبحث ما تحت هذه الكومة الخراسانية من الأحاسيس ، هل تشعر بالفراغ ، هل تشعر أن الحياة ينقصها شيء ، عنك بالتأكيد لا تشعر بهذا ، ولا تشعر أنني الشخص الذي كنت تتمناه ، أطمئنك أنني كنت الشخص الذي تتمناه صديقًا ، ولست أزخرف البضاعة لك .. وكنت انتظر منك المثل ، ولكنني لم أجد سوى تجاهل المشاعر ، والمبالاة .. كلمة عقيمة هذه المبالاة .. هناك التجني ، والظلم .. أعرف أن قراري الأخير سوف يصدمك ،وسوف تظن نفسك بطلا وأنك ضحية الصداقة البيضاء وأنك المنزه عن الخطأ.. دعني أطمئنك مرة أخرى أعرف كل ما سوف يحدث داخل نفسك ، وأعرف كل تفكيرك وقتها ، وأعرف إلى أين أمضي بنفسي بعيدًا عن سنوات ظننتها للأسف سنوات صداقة وحب ، ولكنني اكتشفت أنها لعبة من القدر ، ومن أنا حتى أظن أنني لعبة في يد القدر ، أنني كما اتفقنا ميت حي .. الحياة بالنسبة لي ليست مجرد غنى فاحش أو سهرة لطيفة أو مجاملة ظريفة أو فيلا أو أيا من هذا القبيل الساذج .. الحياة أن أحيا..أن أشعر، أن أحس أنني بالفعل إنسان ولست بميت.. ولكن بعد أكثر من خمسة وعشرين عاما وهي عمر صداقتنا كما حسبتها أنت من ثلاث سنوات.. نعم من ثلاث سنوات، فهذه السنوات الثلاث خارج نطاق الخدمة، لم تدخل حيز الصداقة؛ لأننا وقتها بدأنا النهاية الطبيعية للموت، لموت الجمال والصدق، لموت الإحساس النبيل بالشعور.. ها أنت تتزوج وأحضر فرحك مصادفة بغرض المجاملة عندما عرفت من غريب عنا .. لم أرقص في فرحك.. اكتفيت أن أربت على كتفك وأنا أقول لك: مبارك.. مبارك يا صديقي..هل تضم سنوات زواجك لخدمة الصداقة ، لم أرك فيها إلا لماما كما يقال ، مجرد لحظات تمر .. هل شعرت أنت وقتها باختلافي أنا الآخر .. لا أظن كل ما شعرت به وقتها أنت أنني أتغير للأسوأ ألم تسأل نفسك لماذا ؟!.. لماذا؟!ومنذ متى وأنت تسأل عن أي شىء يخصني ، يكفي أن أسأل أنا عن كل شيء يخصك ، أهذا هو تعريفك للصداقة علاقة من اتجاه واحد أن تكون أنت بؤرة الحدث وما حولك كومبارس هازل قبيح .. لن أرتدي قناع البلياتشو بعد اليوم .. بل لم أعد ارتديه منذ قررت أن أتوقف عن الحياة ، البعض يقول : ما هذا الوش الخشب ؟!مصطلح جديد في اللغة، رغيت كثيرًا أليس كذلك؟! صدعك رأسك النبيل ومخك العبقري بكلمات جوفاء من شخص ممل ويظن في نفسه الذكاء، أريد أن أريحك ..سأكف مؤقتا عن الكلام معك.. ولكن كلمة في النهاية .. صدقني كنت أود أن نظل أصدقاء وأن أظل أنا إنسان..شكرا